من تمام كلام المؤمنين فوجه النظم أنهم قالوا : كيف لا نسمع ولا نطيع وإنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا. وإن قلنا إنه من كلام الله تعالى مستأنفا فالوجه أنهم لما قالوا سمعنا وأطعنا ثم طلبوا المغفرة ، دل ذلك على أنه لا يصدر عنهم زلة إلا على سبيل السهو والنسيان ، فلا جرم خفف الله تعالى عنهم إجابة لدعائهم. والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه كالصلوات الخمس وصوم رمضان والحج ، فإنه كان من إمكان الإنسان وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس ، ويصوم أكثر من الشهر ، ويحج أكثر من حجة. ولكنه تعالى ما جعل في الدين من حرج لكمال رحمته وشمول رأفته. واعلم أن المعتزلة عولوا في نفي تكليف ما لا يطاق على هذه الآية ، ثم استنبطوا منها أصلين : الأول أن العبد موجد لأفعال نفسه إذ لو كان بتخليق الله تعالى لم يكن للعبد قدرة على دفعها لضعف قدرته ، ولا على فعلها إذ الموجود لا يوجد. ثانيا ، فتكليف العبد بالفعل يكون تكليف ما لا يطاق. الثاني أن الاستطاعة قبل الفعل وإلا لكان المأمور بالإيمان غير قادر عليه ، فيلزم تكليف ما لا يطاق. أما الأشاعرة فقالوا : تكليف من مات على الكفر كأبي لهب مع العلم بعدم إيمانه تكليف بالجمع بين النقيضين. والجواب أن العلم بعدم الإيمان ليس تكليفا بعدم الإيمان حتى يلزم التكليف بالنقيضين ، والتكليف بأمر ممكن لذاته ممتنع لغيره غير التكليف بأمر مستحيل لذاته الذي هو محل النزاع. لكن الأشعري لما كانت حجته قوية عنده خصص الآية بأنها إنما وردت في التكاليف الممكنة ، إذ التكليف بالممتنع ليس تكليفا بالحقيقة وإنما هو إعلام وإشعار بأنه خلق من أهل النار. على أنه لو جعلت من قول المؤمنين لم يبق فيها حجة ، ويحتمل أن يقال : لما حكاه عنهم في معرض المدح وجب أن يكونوا صادقين فيه (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) قال الواحدي : إن الكسب والاكتساب واحد. قال تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤] وقيل : الاكتساب أخص لأن الكسب لنفسه ولغيره ، والاكتساب ما يكتسب لنفسه خاصة. وقيل : في الاكتساب مزيد اعتمال وتصرف لهذا خص بجانب الشر دلالة على أن العبد لا يؤاخذ من السيئات إلا بما عقد الهمة عليه وربط القلب به بخلاف الخير فإنه يثاب عليه كيفما صدر عنه. قالت المعتزلة : في الآية دليل على أن الخير والشر كلاهما مضاف إلى العبد ، ولو كانا بتخليق الله تعالى لبطلت هذه الإضافة وجرى صدور أفعاله منه مجرى لونه وطوله وشكله مما لا قدرة له عليه البتة ، ولانتفت فائدة التكليف وقد سبق تحقيق المسألة مرارا ، وكذا تفسير الكسب وبيان المذاهب فيه في تفسير وبيان المذاهب فيه في تفسير قوله (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة : ١٣٤]. واحتج الأصحاب بالآية على فساد القول بالمخاطبة لأنه تعالى بيّن أن لها