والدعاء نال مقام القربة والزلفى من الله. والفرق بين العفو والمغفرة والرحمة أن العفو إسقاط العذاب ، والمغفرة أن يستر عليه بعد ذلك جرمه صونا له عن عذاب التخجيل والفضيحة فإن الخلاص من عذاب النار إنما يطيب إذا حصل عقيبه الخلاص من عذاب الفضيحة. فالأول هو العذاب الجسماني والثاني هو العذاب الروحاني. وبعد التخلص منهما أقبل على طلب الثواب وهو أيضا قسمان : جسماني هو نعيم الجنة وطيباتها وهو قوله (وَارْحَمْنا) وروحاني هو إقبال العبد بكليته على مولاه وهو قوله (أَنْتَ مَوْلانا) ففيه الاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكل نعمة ينالونها ، وهو المعطي لكل مكرمة يفوزون بها ، وأنهم بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلا بتدبير قيمه ، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهماته إلا بإصلاح مولاه. وبهذا الاعتراف يحق الوصول إلى الحق «من عرف نفسه» أي بالإمكان والنقصان «عرف ربه» أي بالوجوب والتمام. ثم إذا وصل إلى الحق أعرض بالكلية عما سواه وهو قوله (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أعنا على قهر كل من خالفك وناواك وعلى غلبة القوى الجسمانية الداعية إلى ما سواك.
عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تستطيعها البطلة قيل : وما البطلة؟ قال : السحرة» (١) وعنه صلىاللهعليهوسلم «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (٢) وعنه صلىاللهعليهوسلم «أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي» (٣) وعنه صلى الله صلىاللهعليهوسلم «أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل» وروى الواحدي عن مقاتل بن سليمان أنه لما أسري بالنبي صلىاللهعليهوسلم إلى السماء أعطي خواتيم سورة البقرة فقالت الملائكة له : إن الله عزوجل أكرمك بحسن الثناء بقوله (آمَنَ الرَّسُولُ) فاسأله وارغب إليه. فعلّمه جبريل عليهالسلام كيف يدعو فقال النبي صلىاللهعليهوسلم (غُفْرانَكَ رَبَّنا) فقال الله : قد غفرت لكم. فقال : (لا تُؤاخِذْنا) فقال الله : لا أؤاخذكم. فقال : لا تحمل علينا إصرا. فقال : لا أشدد عليكم. فقال : لا تحملنا ما لا طاقة لنا به. فقال : لا أحملكم ذلك. فقال : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) فقال الله : قد عفوت عنكم
__________________
(١) رواه الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ١٣.
(٢) رواه البخاري في كتاب المغازي باب ١٢. مسلم في كتاب المسافرين حديث ٢٥٥. أبو داود في كتاب رمضان باب ٩. الترمذي في كتاب ثواب القران باب ٤. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ١٨٣. الدارمي في كتاب الصلاة باب ١٧٠.
(٣) رواه أحمد في مسنده (٤ / ١٤٧ ، ١٥٨) ، (٥ / ١٥١)