الوصف المناسب يدل على علية الوصف للحكم ، فالآية دلت على أن هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص. وقال أبو حنيفة : إن الواجب فيه التعزير لأنه فرج لا يجب المهر بالإيلاج فيه فلا يجب الحدّ كإتيان البهيمة ، وعلى الأول ففي عقوبة الفاعل قولان : أحدهما أن عقوبته القتل محصنا كان أو لم يكن لما روي انه صلىاللهعليهوسلم قال «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول» (١) وأصحهما أن حده حد الزنا فيرجم إن كان محصنا ويجلد ويغرب إن لم يكن محصنا لأنه حد يجب بالوطء ، ويختلف فيه البكر والثيب كالإتيان في القبل. وعلى قول القتل فيه وجوه أحدها : يقتل بالسيف كالمرتد ، والثاني وبه قال مالك وأحمد يرجم تغليظا ، ويروى عن علي عليهالسلام أيضا. والثالث يهدم عليه جدار أو يرمى من شاهق جبل ليموت أخذا من عذاب قوم لوط. وأما المفعول فإن كان صغيرا أو مجنونا أو مكرها فلا حد عليه ولا مهر لأن منفعة بضع الرجل لا تتقوم ، وإن كان مكلفا طائعا فيقتل بما يقتل به الفاعل إن قلنا إن الفاعل يقتل ، وإن قلنا يحد حد الزنا فيجلد ويغرب محصنا كان أو لم يكن ، وإن أتى امرأة في دبرها ولا ملك ولا نكاح فالأظهر أنه لواط لأنه إتيان في غير المأتي ويجيء في الفاعل والمفعول ما ذكرنا. وقيل : إنه زنا لأنه وطء أنثى فأشبه الوطء في القبل فعلى هذا حده حد الزنا بلا خلاف. وترجم المرأة إن كانت محصنة. وإذا لاط بعبده فهو كالأجنبي على الأصح ولو أتى امرأته أو جاريته في الدبر فالأصح القطع بمنع الحد لأنها محل استمتاعه بالجملة.
التأويل : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) معجزة الخواص أن يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر عشراء بسقب سر السر وهو الخفي. وناقة الله هي التي تحمل أمانة معرفته وتعطي ساكني بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الإلهية ، (فَذَرُوها) ترتع في رياض القدس وحياض الإنس (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة. (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) مستعدين للخلافة (وَبَوَّأَكُمْ) في أرض القلوب (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها) وهي المعاملات بالصدق والإخلاص (قُصُوراً) في الجنان (وَتَنْحِتُونَ) من جبال أطوار القلب (بُيُوتاً) هي مقامات السائرين إلى الله (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) النعماء والإخلاص. فالأول يتضمن ترويح الظاهر ، والثاني يوجب تلويح السر. فالترويح بوجود المسار والتلويح بشهود الأسرار (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) القلب بالفساد للاستعداد الفطري (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) هم الأوصاف البشرية
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الحدود باب ٢٤. ابن ماجه في كتاب الحدود باب ١٢.