البحث الدلالي
بعد أن درسنا وضعيّة الأحاديث الغسليّة عند ابن عبّاس سندا ، لا بدّ من مناقشتها متنا ودلالة ، فنقول مستعينين بالله :
إنّ الصفحات السابقة أوضحت لنا أنّ الطرق ـ الغسليّة الخمسة ـ عن ابن عبّاس قد رجعت إلى طريقين ، فأربعة منها تتحد بزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عبّاس ، وهذه الطرق إلى زيد ، إمّا ضعيفة بنفسها بحيث لا يمكن الاحتجاج بها ، وإمّا ممّا تحتاج إلى تابع صحيح يرفعها إلى درجة الحسن والصحيح ، وهذا ما لم نجده.
وأمّا الخامس منها ـ أي طريق سعيد بن جبير ـ ففيه عبّاد بن منصور الضعيف.
ولمّا ثبت ضعف طريق سعيد بن جبير إلى ابن عبّاس بقي البحث عن طرق زيد بن أسلم إليه ، وحيث إنّ زيدا هذا كان قد عنعن روايته عن عطاء وهو ممن يدلّس! ولم يثبت أنّه صرّح بالسماع عن عطاء ، سقطت روايته عن الحجيّة.
وعلية فيكون مرجع الروايات الغسليّة إلى ابن عبّاس إلى طريق واحد وهو منكر ، فلا يمكن لهذه الرواية الواحدة المنكرة أن تعارض الروايات الصحيحة والسيرة الثابتة عن ابن عبّاس في المسح.
ولو تنزلنا وقلنا بصحّة روايات زيد فهي شاذّة بالنّسبة للمحفوظ والمشهور عن ابن عبّاس في المسح ، إذ اتّفق جميع أهل العلم على عدم إمكان الاحتجاج بالشاذّ مقابل الثابت المحفوظ. هذه خلاصة ما مرّ من البحث السندي.
وأمّا البحث الدلالي فإنّ المتتبع لمرويّات زيد بن أسلم عن عطاء الغسليّة ، يشاهد الاضطراب واضحا فيها ، إذ ورد في إسناد أبي داود الأوّل ـ خبر هشام بن سعد ـ قوله : «قبض قبضة أخرى من الماء فرشّ على رجله اليمنى وفيها النعل ، ثمّ مسحها بيديه ، يد فوق القدم ويد تحت النعل ، ثمّ صنع باليسرى كذلك ..».
وأخرج الحاكم بسنده إلى هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم قوله (.. أنّه