ورابعا : إنّ ما رواه النّسائي من رواية الدراوردي هو رواية خالية من حكم الرجلين ، وهي لا تتفق مع ما روي عن ابن عبّاس من مسحه ما تحت النعلين تارة ، وغسله للقدمين أخرى ، ومسحه لهما ثالثة و .. كما أنّها لا تتفق مع ما أخرجه الطحاوي عن الدراوردي أيضا من أنّ ابن عبّاس نقل هذا الوضوء عن النّبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : «إنّه صلىاللهعليهوآله رشّ على قدميه وهو متنعّل» فلم يذكر فيها مسح ولا غسل!! وهذا لعمري عين الاضطراب الّذي يعنيه علماء الدراية في بحوثهم.
والإنصاف إنّ الاستدلال بما رواه زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس في الغسل من أشكال المشكلات سندا ومتنا ، ولعلّه الّذي حدا بابن حجر وغيره من الأعلام أن يتردّدوا بما رواه أبو داود في الإسناد الأوّل عن هشام بن سعد ، لأنّ شدّة الاضطراب في المتن جعلتهم يتوقفون عن البتّ بضرس قاطع في معناها ، بل جدّوا في تأويلها والقول بأنّ جملة (وضع يده الأخرى تحت النعل) هي استعمال مجازي للكلمة ، أريد منه باطن القدم ، فلو كانوا جازمين بما يقولون لما تردّدوا في كلامهم.
وعليه تكون الروايات الغسليّة عن ابن عبّاس مضطربة متنا ، وهذا الاضطراب مما يستشعر من كلام ابن حجر حيث قال : (.. وأمّا قوله (تحت النعل) فإن لم يحمل على التجوّز عن القدم ، وإلّا فهي رواية شاذّة ، وراويها هشام بن سعد لا يحتجّ بما تفرّد به ، فكيف إذا خالف) (١).
نعم ، إنّ البيهقي نقل خبر هشام والروايات الغسليّة عن ابن عبّاس ، ثمّ قال : (.. فهذه الروايات اتفقت على أنّه غسلهما ، وحديث الدراوردي يحتمل أن يكون موافقا ، بأن يكون غسلهما في النّعل ، وهشام بن سعد ليس بالحافظ جدا فلا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات الإثبات ، كيف وهم عدد وهو واحد) (٢).
وعلّق ابن التركماني على قول البيهقي ، بقوله :
«.. قلت : حديث هشام أيضا يحتمل أن يكون موافقا لها ، بأن يكون غسلهما في النعل ، فلا وجه لإفراده بأنّه خالف الثقات.
__________________
(١) فتح الباري ١ : ١٩٤.
(٢) السنن الكبرى ، للبيهقي ١ : ٧٣.