لكن رؤيتنا أوسع دائرة من قول القلعة القلعهچي أيضا ، لأنّه ولا تختصّ بمعرفة بنائه الفقهيّ ، بل تتعدّى إلى معرفة سيرته العامّة ومواقفه الأخرى ونصوصه في الفقه وأقواله وخطبة المتناثرة في كتب التاريخ و .. فإنّ فتح مثل هذه الأمور يعطينا رؤية أدق عن الصحابي الراوي والعقائد والأفكار السائدة في عهده ، ومدى تطابق هذا النقل عنه وصحّة انتسابه إليه ، وهذه النكتة جديرة بالبحث والدرس ، لكونها تحلّ لنا الكثير من الأقوال المنسوبة إلى هذا أو ذاك في عويصات المسائل ، كما أنّها تجلّي لنا الآراء الكامنة وراء نسبة الأقوال.
ونستطيع كذلك تطبيق هذه الرؤية عكسيّا ، بمعنى أنا يمكننا إسقاط أيّ رواية ـ ولو صحت سندا ودلالة ـ لمخالفتها للثوابت العلمية والدينية كالقرآن والسنة النبوية ، فقد روى أبو هريرة عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : خلق اللّٰه التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين و .. حتّى عدّ خلق العالم في سبعة أيّام (١) فنحن ، لا بدّ أن نطرح هذه الرواية وأمثالها لمخالفتها لصريح القرآن الّذي جاء في سبع آيات من سبع سور منه بأنّه سبحانه خلق العالم في ستّة أيّام (٢).
فهذه الرواية في الأعمّ الأغلب يتّفق صدورها عن أبي هريرة ويمكن انتسابها إليه ، ولا يمكن التصديق بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قالها وإن روى الصحابيّ ذلك! فالوقوف على السيرة العامة للراوي والرواية ـ كما قلنا ـ هو المطلوب في مثل هكذا بحوث ، لأنّه يعطينا صورة قريبة للواقع ، ويعرّفنا باتجاهه الفكري وإمكان تطابق هذا القول معه وعدمه ، وهو أيضا يعرّفنا بملابسات الأمور ومن هم وراء نسبة الأقوال إلى هذا أو ذاك! ودوافعهم المختلفة في هذه النسبة أو تلك ، ونفي هذا النقل أو ذاك.
لكنه ليس هو الوحيد في الباب ، بل يجب كذلك البحث عن تطابق هذا المنقول مع الأصول الأخرى من القرآن الكريم والسنة النبوية ، كي نعرف صحة النقل أو بطلانه ، ولتوضيح هذا الأمر «يمكن أن نعطي مثلا واقعيا من حياتنا اليومية ، فإذا
__________________
(١) أخرج هذا الحديث مسلم والنسائي واحمد ، والبخاري في التاريخ الكبير وغيرهم.
(٢) الأعراف : ٥٤ ، يونس : ٣ ، هود : ٧ ، الفرقان : ٥٩ ، السجدة : ٤ ، ق : ٣٨ ، الحديد : ٤.