فأقبل عليه السيد ـ واسمه أهتم بن النعمان ، وهو يومئذ أسقف نجران ، وكان نظير العاقب في علو المنزلة ، وهو رجل من عاملة ، وعداده في لخم ـ فقال له : سعد جدك ، وسما جِدك أبا وائلة ، إن لكل لا معة ضياء ، وعلى كل صواب نورا ، ولكن لا يدركه ـ وحق واهب العقل ـ إلا من كان بصيرا ، إنك أفضيت وهذان فيما تصرف بكما الكلم إلى سبيليْ حزن وسهل ، ولكل على تفاوتكم حظ من الرأي الربيق والأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه.
ثم إن أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم ، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا ، أبخوع وإقرار؟ أم نزوع؟!
قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران : فعاد كرز بن سبرة لكلامه ـ وكان كميا أبيا ـ فقال :
أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ، ومضى عليه آباؤنا ، وعرف ملوك الناس ثم العرب ذلك منا؟! أنتهالك إلى ذلك أم نقر بالجزية وهي الخزية حقا؟! لا والله حتى نجرد البواتر من أغمادهم ، وتذهل الحلائل عن أولادها ، أو نشرق نحن ومحمد بدمائنا ، ثم يديل الله عز وجل بنصره من يشاء.
قال له السيد : أربع على نفسك وعلينا أبا سبرة ، فإن سل السيف يسل السيوف ، وإن محمّداً قد بخعت له العرب وأعطته طاعتها ، وملك رجالها وأعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر منهم والمدر ، ورمقه الملكان العظيمان كسرى وقيصر فلا أراكم ـ والروح ـ لو نهد لكم إلا وقد تصدع عنكم من خف معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاء كأم الذاهب ، أو كلحم على وضم.