وكتاب الشريف المرتضى ، وكتاب ابن خمير السّبتي الذي نقدّمه للقارئ الكريم يتقاربان ويدوران في فلك واحد ، عدا ما أضافه الشّريف في كتابه من حديث عن الأئمّة ، وهو حديث خارج عن موضوع الأنبياء وتنزيهم ، فإذا فصلنا ذلك من كتابه ، اقترب أحد الكتابين من الآخر اقترابا كبيرا.
أما كتاب السّيوطي فيتعلق بقضيّة من قضايا التنزيه ، وهو رسالة صغيرة ألفها نتيجة حادثة (كلام) وقعت بين اثنين ، ورد في شغب أحدهما ذكر اتّخاذ الأنبياء عليهمالسلام الرّعي عملا أو مهنة ، واختلفت الفتوى في ذلك الشغب (الكلام) الذي صدر. فتصدّى السيوطي وألّف تلك الرسالة قال : «والسبب في تأليفه ـ يعني كتابه ـ أنه وقع أنّ رجلا خاصم رجلا فوقع بينهما سبّ كثير ، فقذف أحدهما عرض الآخر ، فنسبه الآخر إلى رعي المعزى ، فقال له ذاك : تنسبني إلى رعي المعزى؟ فقال له والد القائل : الأنبياء رعوا المعزى ، أو : ما من نبيّ إلا رعى المعزى! وذلك بسوق الغزل بجوار الجامع الطولوني ، بحضرة جمع كبير من العوام ، فترافعوا إلى الحكّام ، فبلغ قاضي القضاة المالكي فقال : لو رفع إليّ لضربته بالسياط ، قال السيوطي : «فسئلت : ما ذا يلزم الذي ذكر الأنبياء مستدلا بهم في هذا المقام؟».
فأجبت بأن هذا المستدلّ يعزّر تعزير البالغ ، لأن مقام الأنبياء أجلّ من أن يضرب مثلا لآحاد الناس ، ولم أكن عرفت من هو القائل ذلك فبلغني ـ بعد ذلك ـ أنه الشيخ شمس الدين بن الحمّصاني إمام الجامع الطولوني ، وشيخ القرّاء ، وهو رجل صالح في اعتقادي ، فقلت : مثل هذا الرجل تقال عثرته ، وتغفر زلّته ، ولا يعزّر لهفوة صدرت منه ، وقال : إنّ هذا القائل لا ينسب إليه في ذلك عثرة ولا ملام ، وإن ذلك من المباح المطلق : لا ذنب فيه ولا أثام ، واستفتي على ذلك من لم تبلغه واقعة الحال فخرّجوه على ما ذكره القاضي عياض في (مذاكرة العلم) لأجل ذكر لفظ الاستدلال في الجواب والسؤال.