قصد الشّيطان ، والتّعريض بالوسوسة إليه لا على قصد القبول من آدم عليهالسلام لوسوسته وخدعه. فإن الشّيطان قد يوسوس إلى الأنبياء ولكن لا يقبلون منه. قال تعالى لنبيّنا عليه الصلاة والسلام : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [الأعراف : ٧ / ٢٠٠] ، وقال له : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) [المؤمنون : ٢٧ / ٩٧ ـ ٩٨].
وسنحيل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وجملة الأمر أنه إذا لم يثبت تكليف لم يثبت إيجاب ولا حظر ولا طاعة ولا معصية يقع فيها ذمّ شرعي ولا مدح ولا ثواب ولا عقاب. وهذا ما أجمع عليه أهل السّنّة.
فصل
[القول السّديد في قصّة آدم عليهالسلام]
فإن قيل : فإذا كان ذلك كما زعمتم ، فما المختار عند أهل الحقّ في هذه القصّة ، وما معتقدهم فيها ، وكيف التّخلّص منها؟.
فنقول : التخلّص منها عند أهل الحقّ إن شاء الله : أنّ الله تعالى نهاه على جهة الإرشاد والإعلام والنّصيحة لا على نهي التّكليف ووسوس إليه الشّيطان على جهة الإغواء والحسد والمكر فلم يقبل منه. ثم أنساه الله تعالى بعد ذلك إرشاده إياه ووصيّته له ، ووسوسة الشيطان إليه ، فأكل منها غافلا عن الوصية والوسوسة.
وإذا كان ذلك لم يبل (١) : هل كان عند ذلك نبيّا أو لم يكن نبيا ، فإنّ النّاسي
__________________
(١) قال ابن الشّجري في أماليه (٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨) : من الألفات التي حذفوها ألف (تبالي) في قولهم (لا تبل) ، حذفوا ياءه أوّلا للجزم ، فقالوا : لا تبال ، كقولك : لا ترام. ثم اختصروه لكثرة استعماله ، فجزموه جزما ثانيا بإسكان لامه فسقطت ألفه لالتقاء السّاكنين ... فصار : لم أبل.
كقولك : لم أجب ، و: لم أعن : (من : أجاب وأعان).