لا طلب عليه في الشّرع ولا ذمّ ، بالإجماع. والدّليل على أنّه نسي قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ٢٠ / ١١٥] ، يعني : عهدنا إليه في أمر الشجرة فنسي العهد (١) ، فأكل منها من غير عزم على أكلها ، [ولا] متعمّدا لاطّراح الوصيّة والنهي ، أو نسي المراقبة لتلك الوصيّة ، ولم نجد له عزما على المراقبة ، فألقي عليه النسيان بتركه المراقبة ، فأكل منها. ولا يصحّ في حقّه عليهالسلام مع شهادة القرائن وعظم المكانة غير هذين الوجهين. مع أنّ العزم في اللّسان هو : الإرادة التي يقع معها الفعل ، وقد نهاه تعالى عنه ، فلم يبق إلاّ أنّه أكل ناسيا من غير عزم.
فإن قيل : وما دليلكم على أنّ العهد المنسيّ إنما كان في أمر الشّجرة ، والعهود كثيرة كعهده له في حمل الأمانة وغيرها؟.
فنقول : دليلنا على ذلك أنه لو قصد ارتكاب نهي الله تعالى ، وترك نصيحته له مراعاة لمكيدة الشّيطان ومكره به وقبوله منه فأكل منها متعمّدا لصحّة قول اللّعين ، تاركا لوصية الله ونهيه ، متعمّدا لتركهما لكان متّهما لخبره تعالى مفنّدا لحكمه ، مرتكبا لنهيه ، وهذه كانت فعلة الشّيطان عند امتناعه من السّجود حذوك النّعل بالنّعل (٢) ، وبها حكم بكفره.
فمن اعتقد هذا في حقّه عليهالسلام فقد رماه برجام الكفر (٣) ، والابتراك (٤) في أوضار الجهل ، ودحض المزلاّت (٥) فأما ما كان يبترك فيه من الجهالات : ففي تقليده عدوّه الشّيطان ، وقبول قوله من غير دليل في أنّها شجرة الخلد التي توجب الملك
__________________
(١) ـ وقول المؤلّف ، رحمهالله : (لا طلب عليه) أي : لا مؤاخذة ولا مسئولية.
(٢) معنى (حذا النّعل) قدّرها وقطعها على مثال. وحذا النعل بالنّعل قدّره عليه. وتقال العبارة :(حذوك النّعل بالنّعل) عند تشابه الأمرين.
(٣) الرجام : حجارة ضخمة. والرّجم : الرمي بالحجارة.
(٤) يقال : ابترك أي أسرع في العدو وجد ، وابترك الرجل في عرض أخيه يقصبه : إذا اجتهد في ذمّه ، والأوضار : الأوساخ.
(٥) والدحض : الزّلق. وفي حديث أبي ذرّ رضياللهعنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض».