لم يكن للعلماء القيام بعلم سبعة من هذه السّبعين فما ظنّك بالجاهل الغبيّ الذي غايته تقليد أمّه في الشّهادتين فهو من الضّفادع والدّيدان في ضحضاح الغيطان (١) ، ويريد أن ينهض إلى مظانّ العقبان في شماريخ ثهلان (٢).
فصل
[الكلام في إخوة يوسف عليهالسلام هل كانوا أنبياء؟]
فإن قال قائل : فإذا نزّهتم الأنبياء عليهمالسلام مثل هذا التّنزيه فما قولكم في إخوة يوسف عليهمالسلام ، وقد قال بعض من يؤبه (٣) له من المفسّرين والمؤرّخين القائلين بغير دليل بأنهم كانوا أنبياء؟.
فالجواب : أنّ إخوة يوسف عليهالسلام عند ما واقعوا ما واقعوه مع أخيهم وأبيهم لم يكونوا أنبياء وأمناء الله ورسله. والدّليل على ذلك أنّ الكتاب العزيز جاء بأنّهم واقعوا كبائر وصغائر والإجماع منعقد على أنّ الأنبياء عليهمالسلام معصومون من الكبائر ، واختلفوا في الصغائر (٤) ، وقد أقمنا الدّليل على عصمتهم من الصّغائر بما فيه مقنع فيما تقدّم.
فأمّا جملة ما ارتكبوه منها ففي عشرين آية ، من قوله تعالى مخبرا عن أبيهم أنه
__________________
(١) الضّحضاح : الماء اليسير ، يصل إلى الكعبين. والغيطان : جمع الغوط والغائط ، وهو المطمئن الواسع من الأرض.
(٢) الشماريخ ، جمع الشّمروخ ، وهو رأس الجبل. وثهلان : اسم جبل طويل بالعالية ـ عالية نجد ـ في بلاد بني نمير (معجم البلدان : ثهلان).
(٣) يؤبه له : يفطن له ، أي هو ذو شأن.
(٤) أشهر من قال إن الأنبياء قد تقع منهم الصغائر : المعتزلة. وفي تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبّار عند تفسير قوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) : (إنّ وكزه كان على وجه الدفع لمّا أراد مخاصمته ولم يظن أنه يؤدّي إلى قتله وذلك كالمرء يؤدب ولده استصلاحا له فيؤديه إلى الموت.
وهذا من الصغائر التي نجوّزها على الأنبياء) ٣٠٩.