فهذا ما منّ الله تعالى به في تنزيه الأنبياء عليهمالسلام على ما تقتضيه الآي ، وما صحّ من الأخبار ، من غير أن يلحق بواحد منهم ذنب ولا ذمّ ، إذ لو جاز ذلك على البعض لجاز على الكلّ ، ومن قدح في عرض واحد منهم ألزم القدح في الكلّ.
وقد أجمعوا على أنّ من قال في زرّ نبيّ إنّه وسخ ، يريد بذلك تنقيصه أنّه يقتل ولا يستتاب ، احتياطا على أعراضهم السّنيّة أن لا يلحقها نقص ، فإنّهم في النّزاهة والعصمة كأسنان المشط ، لا يفرّق بين أحد من رسله.
وكيف وقد قال تعالى لسيّدهم ورئيسهم : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٦ / ٩٠] يعني بمكارم أخلاقهم وجميل أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم.
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) [النساء : ٤ / ١٥٢].
وهذا هو الحقّ الذي يرغب فيه ولا يرغب عنه.
فإيّاك أيّها المقلّد الغرّ أن تسمع من كلّ ناعق غبيّ يدخل الميدان حاسرا حتى تأتيه كل طعنة سلكى نجلاء (١) ، فهو لا يعرف ما ألزمه تعالى من دينه ولا ما تخلّصه في معتقده ومعاملته عند الله تعالى فيتكلّم في تفاصيل أحوال المرسلين ورؤساء المقرّبين وهو لا يعرف النّبوّة ولا شروطها ولا ما يجب لها ويستحيل عليها. وقد جاء في الصّحيح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال (٢) : «الرّؤيا الصّالحة من الرّجل الصّالح جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة». وجاء في خبر آخر : «من سبعين جزءا» فليت شعري إذا
__________________
(١) الطعنة السّلكى : المستقيمة. والنجلاء : الطّعنة الواسعة.
ـ وفي شعر امرئ القيس :
نطعنهم سلكى ومخلوجة |
|
كرّك لأمين على نابل |
(٢) الحديث في صحيح مسلم ٤ / ١٧٧٤ برواية : «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوّة» وذكر روايات أخر تؤدّي المعنى ذاته ، وفي رواية : «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوّة».