وعلى هذا مضت العادات وتناصرت الحكايات ، ولو لا قصد الاختصار لأسمعتك في هذا الشّأن أخبارا وأشعارا عن ظرفاء المحبّين المتديّنين ، وأهل الهمم من فتيان العرب. فقد قيل : إنّ قيس بني عامر (١) تعرّضته ليلى بأرض فلاة فقالت له : ها أنا بغيتك ومثار فتنتك ، ليلى! جئتك ولا رقيب ولا واسطة ، فاقض ما أنت قاض!.
فقال لها : بي منك ما شغلني عنك! ثمّ سار وتركها. فهذا من ظرفاء المحبّين.
وآخر رأى غبار ذيل (٢) محبوبه فغشي عليه فهذا أظرف منه ، إلى غير ذلك.
وجاء في الأثر : أنّ عليا ـ كرّم الله وجهه ـ كانت له جارية تتصرّف في أشغاله.
وكان بإزائه مسجد فيه قيّم ، فكانت متى مرّت به تلك الجارية قال لها : أما إني أحبّك ، فشقّ عليها ذلك فأخبرت عليّا ـ رضياللهعنه ـ بذلك ، فقال لها : إذا قال لك ذلك فقولي له : وأنا أحبّك فأيش تريد بعد هذا (٣)؟!.
فلمّا مرّت به قالت له ذلك ، فقال : نصبر حتّى يحكم الله بيننا ، فلمّا أخبرت عليا ـ عليهالسلام ـ بما قال لها دعا به وقال له : خذها إليك فقد حكم الله بينكما! فهذا شأن الظّرفاء والمتديّنين من المحبّين.
__________________
(١) قيس بن الملّوح العامري ، أحد بني عامر بن صعصعة ، ومن مشاهير عشّاق العرب ، عشق ليلى بنت مهدي العامريّة ، وكان يرعى الغنم منذ الصّغر عند جبل يقال له (التّوباد) ، وقال فيها الشعر ، وذاع شعره فمنعه أهلها الاقتراب من ديارهم واستعدوا عليه الوالي ، فأهدر دمه إن زارها ، وخطبها فرفض أبوها ، وزوّجها من رجل غنيّ من ثقيف فاختلط قيس ، فكان يجيء جبل التوباد فيقيم به ثمّ يهيم على وجهه ، ثم وجد ميتا في أحد الأودية ، وللمجنون ديوان شعر مطبوع بتحقيق الأستاذ عبد الستّار فرّاج ـ رحمهالله ـ نشرته مكتبة مصر ـ القاهرة.
(٢) غبار ذيل ثوبها ، فقد كانت تجرّ الثوب نعمة وخيلاء!.
(٣) فأيش : فأيّ شيء. (وهذا اختصار قديم من باب النّحت).