وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام. وكان يزيد آنذاك قد أرسل ثلاثين سيّافاً ، وأمرهم أن يقتلوا الحسين (عليه السّلام) أينما وجدوه بمكّة ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة. فعلم الحسين (عليه السّلام) ذلك ، فجاء إلى منزله ليلاً ، وجمع أصحابه ، وخطب فيهم ، فقال : «الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، وصلّى الله على رسوله محمد وآله أجمعين. خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه ؛ كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ؛ نصبر على بلائه ، ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحمته ، وهي
__________________
احتسب غيرك من أصحابه ، وحتى أحتسبك أنا ؛ فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منّي بك لسرني أن يتقدّم بين يدي الحسين (عليه السّلام) حتّى أحتسبه ؛ فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه ؛ فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب. قال أبو مخنف : وتقدّم عابس إلى الحسين (عليه السّلام) بعد مقالته لشوذب ، فسلّم عليه ، وقال : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ ليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك. ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم وبه ضربة على جبينه فطلب البراز. قال الربيع بن تميم الهمداني : لمّا رأيت عابساً مقبلاً عرفته ، وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب ، وكان أشجع الناس ، فصحت : أيّها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب. لا يخرجن إليه أحد منكم. فأخذ عابس ينادي : ألا رجل ، ألا رجل. فلم يتقدّم إليه أحد. فنادى عمر بن سعد : ويلكم! ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه ، فصيح به : عابس ، جننت؟! قال : نعم ، حبّ الحسين أجنّني. ثمّ شدّ على الناس ، فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مئتين من الناس ، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه فقتلوه واحتزوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي الرجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته. فأتوا عمر بن سعد ، فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله إنسان واحد ، كلّكم قتله. ففرقهم بهذا القول. انظر إبصار العين ـ السماوي / ٧٤ ـ.
(٢) الرائد : هو الذي يرسلونه أهله أرباب الماشية ليكتشف لهم الأرض الخصبة والمربع والماء ؛ فإنّه لا يكذبهم ، لأنّ الأمر كما يهمهم يهمّه أيضاً.