مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله ؛ فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بالحقّ ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسّلام». فسار مسلم بن عقيل من مكّة واجتاز بالمدينة ، فصلّى في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وودع أهله ، واستأجر منها دليلين فمرّا به في برّية مهجورة المسالك ، فأصابهم عطش فحادا عن الطريق فضلاّ وماتا من العطش. ونجا مسلم ومَنْ معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتّى أفضوا إلى الطريق فلزموه ، فورد الماء ، فأقام مسلم به ، وكتب إلى الحسين (عليه السّلام) مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره خبره ، وما لاقى من الجهد ، ويستعفيه ، ويسأله أن يوجّه غيره. فأوصل الرسول الكتاب إلى الحسين (عليه السّلام) فقرأه ، وكتب في جوابه : «أمّا بعد ، فقد ظننت أنّ الجبن قد قصر بك عمّا وجّهتك به ، فامض لما أمرتك به ؛ فإنّي غير معفيك ، والسّلام». فسار مسلم إلى الكوفة ، ومكث هو بمكّة بقيّة شهر رمضان وشوال وذي القعدة ، وثمان ليال خلون من ذي الحجة. وفي ذلك الحين ورد إليه كتاب مسلم بن عقيل من الكوفة مع عابس بن شبيب الشاكري (١) ، يقول فيه : أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله (٢) ،
__________________
(١) عابس بن شبيب الهمداني الشاكري ، وبنو شاكر بطن من همدان. ذكر أرباب السير : أنّ عابس كان رئيساً شجاعاً ، خطيباً ناسكاً مجتهداً ، وكان من رجال الشيعة ، وكذلك بنو شاكر كانوا من المخلصين بولاء أمير المؤمنين (عليه السّلام). وفيهم قال علي (عليه السّلام) يوم صفين : «لو تمّت عدّتهم ألفاً لعبد الله حقّ عبادته». وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقّبون (فتيان الصباح) ، فنزلوا في بني وداعة من همدان ، فقيل لها : فتيان الصباح. وقيل لعابس : الشاكري والوادعي. وهو الذي قام خطيباً بين يدي مسلم بن عقيل عندما قدم الكوفة واجتمع عليه أهلها ، وصار مسلم يقرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السّلام) ، فقام عابس بن شبيب خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك بما أنا موطن نفسي عليه. والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا اُريد بذلك إلاّ ما عند الله. وكان عابس رسولاً لمسلم بن عقيل إلى الحسين (عليه السّلام) ، وقد أرسله بكتابه إليه وذلك عندما سار من الكوفة إلى الحسين (عليه السّلام) ، وقد صحبه شوذب مولاه. ولما كان يوم عاشوراء ، والتحم القتال ، وقُتل جلّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، قال عابس لشوذب : يا شوذب ، ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع! اُقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتّى أُقتل. فقال : ذلك الظنّ بك. أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) حتّى يحتسبك كما