فإن قاتلونا قاتلناهم ، واستعنا الله عليهم. فدمعت عينا الحسين (عليه السّلام) حين ذكر له كربلاء ، وقال : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء». [قال] الطبري (١) : ولمّا انتهى الحسين (عليه السّلام) إلى عذيب الهجانات ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجبنون فرساً لنافع بن هلال يُقال له : الكامل ، ومعهم دليلهم. قال : فأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال : إنّ هؤلاء النفر الذين هم من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك ، وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لأمنعنَّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد». فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك. قال : «هم أصحابي ، وهم بمنزلة مَنْ جاء معي ، فإن تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ أجزتك». قال : فكفّ عنهم الحرّ ، ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «أخبروني خبر الناس وراءكم». فقال له مجمع بن عبد الله العائذي ، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوا : أمّا الأشراف فقد عظمت رشوتهم ، وملئت غرائزهم ، يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم إلب واحد عليك ؛ وأمّا سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدال مشهورة عليك. قال : «أخبرني ، فهل لكم برسولي علم؟». قالوا : ومَنْ هو؟ قال : «قيس بن مسهر الصيداوي». فقالوا : نعم ، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ، فصلّى عليك وعلى أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر ابن زياد (لع) فأُلقي من طمار القصر. فترقرقت عينا الحسين (عليه السّلام) ولم يملك دمعه ، ثم قال : «فَمِنْهُم مّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً (٢). اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نُزلاً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك».
__________________
(١) انظر الطبري ج ٦ ص ٢٣٠.
(٢) سورة الأحزاب ص ٢٣.