إلى سعد بن أبي وقاص : إذا كان يوم كذا فارتحل بالناس حتّى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القوادس ، وشرّق بالناس وغرّب بهم. وهذا دليل على أنّ هناك عذيبين. قال ابن بليهد (١) : والعذيب الثالث في بالد عذرة ، وهو الذي عناه كثير في شعره حين قال :
خَليلَيَّ إِن أُمُّ الحَكيمِ تَحَمَّلَت |
|
وَأَخلَت لِخَيماتِ العُذَيبِ ظِلالَها |
فَلا تَسقِياني مِن تِهامَةَ بَعدَها |
|
بِلالاً وَإِن صَوبُ الرَبيعِ أَسالَها |
وَكُنتُم تَزينونَ البَلاطَ فَفارَقَت |
|
عَشِيَّةَ بِنتُم زَينَها وَجَمالَها |
هناك عذيب رابع ، بئر جاهلية قديمة يُقال لها العذيب من آبار أثيفية ، وهي معروفة إلى اليوم عند أهل تلك النواحي. فالحسين (عليه السّلام) مرّ على عذيب الهجانات لا على عذيب القوادس ، ومعه الحرّ يسايره. ذكر الخوارزمي (٢) قال : لمّا وصل الحسين (عليه السّلام) إلى عذيب الهجانات ورد كتاب من ابن زياد إلى الحرّ بن يزيد الرياحي يلومه في أمر الحسين (عليه السّلام) ، ويأمره بالتضييق عليه. فلمّا أصبح الحسين (عليه السّلام) وأراد أن يسير عارضه الحرّ أيضاً بجيشه ، ومنعه من المسير ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «ويلك ما دهاك؟! ألست قلت نأخذ على غير الطريق فأخذنا وقبلنا مشورتك؟». فقال الحرّ : صدقت يابن رسول الله ، ولكن هذا كتاب الأمير ورد عليّ يؤنّبني ويضعفني في أمرك ، ويأمرني بالتضييق عليك. فقال الحسين (عليه السّلام) : «فذرنا إذاً أن ننزل بقرية نينوى أو الغاضريات». فقال الحرّ : لا والله يا أبا عبد الله ، لا أستطيع ذلك ، فقد جعل عليّ عيناً يطالبني ويؤاخذني بذلك. فقال للحسين (عليه السّلام) رجل من أصحابه يُقال له زهير بن القين البجلي : يابن رسول الله ، ذرنا نقاتل هؤلاء ؛ فإنّ قتالنا إيّاهم الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا معهم بعد هذا. فقال الحسين (عليه السّلام) : «صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني». فقال زهير : فسيّر بنا حتّى ننزل كربلاء ؛ فإنّها على شاطئ الفرات فنكون هنالك ،
__________________
(١) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ١ ص ٢٢.
(٢) انظر الخوارزمي ـ المقتل ـ طبع النجف.