فَلا كوفَةٌ أُمّي وَلا بَصرَةٌ أَبي |
|
وَلا أَنا يثنيني عَنِ الرِّحلَةِ الكَسَلْ |
فَلا تَحسبني اِبنَ الزُّبَير كَناعِسٍ |
|
إِذا حَلَّ أَغفى أَو يُقالُ لَهُ اِرتَحَلْ |
فَإِن لَم أزرك الخَيل تردي عَوابِساً |
|
بِفُرسانِها حَولي فَما أَنا بِالبَطَلْ |
وهذا هو عبيد الله بن الحرّ الجعفي الذي التقى به الحسين (عليه السّلام) في قصر مقاتل. ذكر صاحب در النظيم في بعض فصوله ، راوياً عن أبي مخنف أنّه قال : لمّا نزل الحسين (عليه السّلام) قصر بني مقاتل رأى فسطاطاً مضروباً ، فقال : «لمَنْ هذا الفسطاط؟». فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وكان معه الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وزيد بن معقل الجعفي ، فأرسل الحسين (عليه السّلام) الحجّاج إليه يدعوه ، فلمّا أتاه قال له : يابن الحرّ ، أجب الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال له : أبلغ الحسين عنّي وقل له : إنّي لم أخرج من الكوفة إلاّ فراراً من دمك ، ولئلاّ أعين عليك ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة. فجاء الحجّاج وبلّغ الحسين مقالته ، فعظم ذلك على الحسين (عليه السّلام) ، ثمّ إنّه دعا بنعليه فركبهما ، وأقبل يمشي حتّى دخل على عبيد الله وهو في الفسطاط ، وكان الحسين (عليه السّلام) عليه جبّة خز وكساء وقلنسوة (١) ، فلمّا رأى الحسين مقبلاً قام إليه إجلالاً ، وأوسع له عن صدر المجلس حتّى أجلسه بمكانه. قال يزيد بن مرّة : حدّثني ابن الحرّ قال : دخل على الحسين (عليه السّلام) ولحيته كأنّها جناح غراب ، ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملا للعين من الحسين (عليه السّلام) ، ولا رققت لأحد قطّ كرقّتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه ، فالتفت الحسين (عليه السّلام) إلى عبيد الله وقال له : «ما يمنعك يابن الحرّ أن تخرج معي؟». فقال : لو كنت ممّن كتب لك لكنت معك ، ولكن هذه خيلي المعدّة والأدلاّء من أصحابي ، وهذه فرسي الملحقة ، فوالله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ أدركته ، وما طلبني أحد إلاّ فتّه ، فدونكها فاركبها حتّى تلحق بمأمنك ، وأنا ضمين لك بالعيالات حتّى أؤدّيهم إليك أو أموت أنا وأصحابي دونهم. وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لا يضمّني فيه أحد. فقال الحسين (عليه السّلام) : «هذه نصيحة
__________________
(١) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج ١ ص ٩٧.