نفوسٌ لدى النهرينِ من أرضِ كربلا |
|
معرّسهم فيها بشطِّ فراتِ |
__________________
مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ |
|
ومنزلُ وحي مقفرُ العرصاتِ |
وهذه القصيدة من أروع ما نظم ، فكافأه الرضا (عليه السّلام) عليها عشرة آلاف درهم ممّا ضرب باسمه (عليه السّلام) ، وكان (رحمه الله) يهجو بحقّ ؛ حيث يشاهد المنكرات من أصحاب السلطة والأمراء ، ولم يقف عند حدّه في هجائهم ، بل صار يهجو الخلفاء كالرشيد والمأمون والمعتصم ، وكان هجاؤه من باب الاحتجاج عليهم ، وإظهار منكراتهم للناس ، وتلاعبهم بالشريعة والأحكام ، فمن هجائه للمعتصم قوله :
بَـكى لِـشَتاتِ الـدينِ مُكتَئِبٌ صَبُّ |
|
وَفـاضَ بِفَرطِ الدَمعِ مِن عَينِهِ غَربُ |
وقامَ إمـامٌ لـم يكن ذا هدايةٍ |
|
فـلـيـسَ لـهُ دينٌ وليسَ لهُ لبُّ |
وَمـا كـانَتِ الأَنـباءُ تَـأتي بِـمِثلِهِ |
|
يُـمَلَّكُ يَـوماً أَو تَـدينُ لَـهُ العُربُ |
وَلَـكِن كَـما قـالَ الَّـذينَ تَـتابَعوا |
|
مِنَ السَلَفِ الماضي الَّذي ضَمَّهُ التُربُ |
ملوكُ بني العباسِ في الكتبِ سبعةٌ |
|
ولم تـأتـنا عن ثامنٍ لهمُ كتبُ |
كـذلكَ أهـلُ الكهفِ في العدِّ سبعةٌ |
|
خـيـارٌ إذا عُـدّوا وثـامنهم كلبُ |
وَإِنّـي لأُعـلي كَـلبَهُم عَـنكَ رِفَعَةً |
|
لأَنَّـكَ ذو ذَنـبٍ وَلَـيسَ لَـهُ ذَنبُ |
لَـقَد ضاعَ أَمرُ الناسِ إِذ ساسَ مُلكَهُم |
|
وَصَـيفٌ وَأَشناسٌ وَقَد عَظُمَ الكَربُ |
وعندما بلغه نعي المعتصم قال :
قد قلتُ إذ غيّبوه وانصرفوا |
|
فـي شـرِّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ |
اِذهَـب إِلى النارِ وَالعَذابِ فَما |
|
خِـلـتُكَ إِلاّ مِـنَ الـشَياطينِ |
ما زلتَ حتّى عقدتَ بيعةَ من |
|
أضرّ بـالمسلمينَ والدينِ |
ومن شعره يهجو المتوكّل بقوله :
وَلَستُ بِقائِلٍ قَذَعاً وَلَكِن |
|
لأَمـرٍ ما تَعَبَّدَكَ العَبيدُ |
قالوا : يرميه في هذا البيت بالإبنة :
يـا معشرَ الأجنادِ لا تقنطوا |
|
وارضوا بما كانَ ولا تسخطوا |
فـسـوفَ تُـعـطونَ حُنينيةً |
|
يـلـتذّها الأمـردُ والأشمطُ |
والـمـعـبدّياتُ لـقـوّادكمْ |
|
لا تـدخلُ الكيسَ ولا تربطُ |
وهكـذا يـرزقُ قـوادَهُ |
|
خـلـيـفةٌ مصحفهُ البربطُ |
وقوله في المأمون :
أيـسومني المأمونُ خطّةَ عاجزٍ |
|
أوَ ما رأى بالأمسِ رأسَ محمّدِ |
إنّـي مـن الـقومِ الذين عهدتهمْ |
|
قـتـلوا أخاكَ وشرّفوكَ بمقعدِ |
شادوا بذكركَ بعد طولِ خمولهِ |
|
واستنقذوكَ من الحضيضِ الأوهدِ |
قُتل (رحمه الله) بناحية الأهواز في قرية قرب السوس ودفن بها ٌ وذلك في سنة أربعين ومئتين ، وكان حينذاك توفّى أبو تمام بالموصل ، فرثاهما صديقهما البحتري بقوله :