قوله تعالى : (وَمَا كَانَ رَبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولاً) (١) على وجهين ؛ أحدهما : أنّه أراد أعظمها وأكثرها أهلاً ، والأخرى : أنّه أراد مكّة. وقال ابن دريد : سمّيت مكّة (اُمّ القرى) ؛ لأنّها توسّطت الأرض والله أعلم. وقيل : سمّيت اُمّ القرى ؛ لأنّها تُقصد من كلّ أرض وقرية ، أو لأنّها أقدم القرى التي في جزيرة العرب وأعظمها خطراً ؛ إمّا لاجتماع أهل القرى فيها كلّ سنة ، أو لانكفائهم إليها ، وتعويلهم على الاعتصام بها لما يرجونه من رحمة الله تعالى (٢). وقوله عزّ اسمه : (وَلِتُنذِرَ اُمّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَ) (٣) ، أراد تعالى ذكره مكّة. ومن أسمائها (بكّة) ، قال جلّ ذكره : (إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (٤) ، وقوله عظم شأنه : (وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٥). وذكر زكريا القزويني قال في ذكر الحجاز : حاجز بين اليمن والشام ، وهو مسيرة شهر. قاعدتها مكّة (حرسها الله تعالى) ، لا يستوطنها مشرك ولا ذمّي. كانت تُقام للعرب بها أسواق في الجاهلية في كلّ سنة ، فإذا اجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم ، وما كان لهم من الأيام ، ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا. وكانت العرب إذا أرادت الحجّ أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ، ثمّ تنتقل إلى ذي المجاز فتقيم فيه إلى الحجّ. والعرب الذين اجتمعوا في هذه المواسم إذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا (٦).
ومكة هي البلد الأمين الذي شرّفه الله تعالى وعظّمه ، وخصّه بالقسم وبدعاء الخليل (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) (٧) (٨) ، واجعله مثابة للناس ، وأمناً
__________________
(١) سورة القصص / ٥٩.
(٢) انظر معجم البلدان ـ للحموي ١ / ٣٣٧.
(٣) سورة الأنعام / ٩٢.
(٤) سورة آل عمران / ٩٦.
(٥) سورة الفتح / ٢٤.
(٦) انظر آثار البلاد وأخبار العباد ـ زكريا القزويني / ٥٥ طبع أوربا.
(٧) سورة البقرة / ١٢٦.
(٨) انظر آثار البلاد ـ زكريا القزويني / ٧٤ طبع أوربا.