للخايف ، وقبلة للعباد ، ومنشأ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله). فهذه أسماء مكّة جاءت في الذكر الحكيم ، وقد أجمع أرباب التاريخ على أنّ الحسين (عليه السّلام) كان قد دخلها ليلة الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة ، وذلك عندما أبى بيعة يزيد بالمدينة ، والخنوع تحت غاشية الظلم والجور ، وهو ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ولمّا نزل مكّة المعظّمة أقبل إليه أهلها ومَنْ كان من المعتمرين بها ، يسلّمون عليه ويرحبّون بمقدمه ، وصار الأشراف من الناس يختلفون إليه. وقد أقام بها بقية شعبان وشهر رمضان ، وشوال وذي القعدة ، وخرج منها لثمان مضين من ذي الحجّة يوم الثلاثاء. يوم التروية (١) ، وهو اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل سفيره بالكوفة. وكان قد اجتمع إليه مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه. وكان ناديه يضمّ وجوه المسلمين من الصحابة وأعيان أهل الحجاز ؛ كعبد الله بن عباس (حبر الأمّة) (٢) ، وعبد الله بن جعفر (٣) ، ونظائرهما ، وأمثال عبد الله بن الزبير (١)
__________________
(١) سمّي يوم التروية لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء من منى ويخرجون إلى عرفات.
(٢) هو عبد الله بن عباس. كان يكنى أبا العباس. توفى بالطائف سنة ثمان وستين في فتنة بن الزبير. وكان قد كُفّ بصره في أواخر حياته ، وعمره سبعون سنة ، وصلّى عليه محمد بن الحنفيّة. وضرب على قبره فسطاطا. انظر المعارف لابن قتيبة.
(٣) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السّلام) ، زوج زينب بنت أمير المؤمنين. قال صاحب الدرجات الرفيعة : إنّ أوّل مَنْ بايع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الصبيان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيار. ولقد دعا له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله : «اللهم بارك له في صفقته». وكان جواداً كريماً ، يعطى العطايا الجزيلة ، والأموال الكثيرة ، وفيه قال القائل :
ألا كلّ مَنْ يرجو نوالَ ابنِ جعفرٍ |
|
سيجري لهُ باليمنِ والبشرِ طائره |
وكانت ولادته بأرض الحبشة ؛ حيث هاجر أبوه جعفر بأمر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إليه هو وجماعة من المسلمين في إبان الدعوة المحمدية. ويروى عنه أنّه قال : أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نعي أبينا جعفر ، فدخل علينا ، وقال لأمّنا أسماء بنت عميس : «أين بنو أخي؟». فدعانا وأجلسنا بين يديه ، وذرفت عيناه ، فقالت أسماء : هل بلغك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن جعفر شيء؟ قال : «نعم ، استشهد رحمه الله». فبكت