وأقرانه. وقال ابن كثير في البداية والنهاية في إقامة الحسين (عليه السّلام) بمكة : عكف الناس على الحسين (رضي الله عنه) يفدون إليه ، ويقدمون عليه ، ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه ، وينتفعون بما يسمع منه ، ويضبطون ما يروون عنه. وقال أبو الفرج الأصبهاني : إنّ عبد الله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ، ولا أحبّ إليه من خروجه إلى العراق ؛ طمعاً في الوثوب بالحجاز ، وعلماً
__________________
وولولت ، وخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فلمّا كان بعد ثلاثة أيام دخل علينا ودعانا ، فأجلسنا بين يديه كأنّنا أفراخ ، وقال (صلّى الله عليه وآله) : «لا تبكي على أخي ـ يعني جعفراً ـ بعد اليوم». ثمّ دعا بالحلاّق فحلق رؤوسنا ، وعقّ عنّا ، ثمّ أخذ بيد محمد وقال : «هذا شبيه عمّنا أبي طالب». وقال لعون : «هذا شبيه أبيه خلقاً وخُلقاً». وأخذ بيدي فشالهما وقال : «اللهم احفظ جعفر في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقته». قال : وجاءته أمّنا تبكي وتذكر يتمنا ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : «أتخافين وأنا وليّهم في الدنيا والآخرة».
وفي جود عبد الله أخبار كثيرة. يروى أنّه ليم في جوده ، فقال :
لستُ أخشى خلّة العدمِ |
|
ما اتقيتُ اللهَ في كرمي |
كلّما أنفقتُ يخلفهُ |
|
ليَ ربّ واسعُ النعمِ |
قالوا : ولمّا ورد نعي الحسين إلى المدينة كان عبد الله جالساً في بيته ، فدخل عليه الناس يعزّونه ، فقال غلامه أبو اللسلاس : هذا ما لقيناه من الحسين (عليه السّلام) ـ يعني بقتل ولدي عبد الله (محمد وعون) ـ. قال الراوي : فحذفه عبد الله بنعله ، وقال : يابن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله ، لو شهدته لما فارقته حتّى أُقتل معه. والله ، إنّهما لمما يُسخى بالنفس عنهما ، ويهون عليَّ المصاب بهما أنّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي ؛ مواسين له صابرين معه. ثمّ أقبل على الجلساء ، وقال : الحمد لله. أعزز عليّ بمصرع الحسين أن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آسيته بولدي. وكانت وفاته سنة ثمانين ، وصلّى عليه أبان بن عثمان ، ودفن بالبقيع. وقيل : مات بالأبواء ، وله من العمر تسعين سنة. وأعقب عشرين ذكراً ، وقيل : أربعة وعشرين.
والعقب من جعفر الطيار في عبد الله الأكبر الجواد وحده ، ليس له إلاّ عقب منه. انظر عمدة الطالب / ٢٠ ، ٢١ طبع الهند.
(١) هو عبد الله بن الزبير بن العوام. كان يُكنى أبا بكر وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهراً. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه الحجّاج فحاصره بمكّة ، ثمّ أصابته رمية فمات بها ، وكان بخيلاً. وهو صاحب المثل السائر (أكلتم تمري وعصيتم أمري) ، حتّى قال فيه الشاعر :
رأيتُ أبا بكرٍ وربّك غالب |
|
على أمرهِ يبغي الخلافة بالتمرِ |
انظر ابن قتيبة ـ المعارف ـ طبع مصر.