منه بأنّ ذلك لا يتمّ له إلاّ بعد خروج الحسين (عليه السّلام) ، فلقي الحسين (عليه السّلام) وقال له : على أيّ شيء عزمت يا أبا عبد الله؟ فأخبره برأيه في إتيان الكوفة ، وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل. فقال له ابن الزبير : فما يحبسك؟ فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلوّمت في شيء. وقوّى عزمه ، ثمّ انصرف. هذا وقد تواردت كتب أهل الكوفة على الحسين (عليه السّلام) ، وذلك لمّا بلغهم وفاة معاوية (١) ، وعلموا امتناع الحسين من بيعة يزيد ونزوله مكّة. قال أرباب السير : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (٢) بالكوفة ، فذكروا وفاة معاوية ، وخطبهم سُليمان بن صرد ، وقال لهم فيما قال : إنّ الحسين قد خرج من مكّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدوا أعدائه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوه. قالوا : بل نُقاتل عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه ، فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). من سُليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبه ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وحبيب بن مظهر الأسدي (٣) ،
__________________
(١) كانت وفاة معاوية في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة. قال ابن إسحاق : مات وله ثمان وسبعون سنة. انظر ابن قتيبة ـ المعارف.
(٢) سُليمان بن صرد الخزاعي : كان صحابياً ، وكان في الجاهلية اسمه يسار ، فسمّاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سُليمان ، ويُكنى ٣با المطرف ، وكان له قدر وشرف في قومه. شهد مع علي (عليه السّلام) مشاهده كلّها ، وهو الذي قتل حوشباذا ظليم الألهاني بصفين مبارزة ، وقد سجنه ابن زياد لمّا دخل الكوفة فيمَنْ سجنهم ، وقد ترأس سُليمان التوّابين بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ، وسمّوه أمير التوّابين ، وكان يُقال له بالكوفة : شيخ الشيعة. ولمّا جاء عبيد الله بن زياد بجيشه يريد العراق ، التقوا بعين الوردة من أرض الجزيرة ، وهي رأس عين فوقعت الواقعة بين التوّابين وجيش ابن زياد هناك فقُتل سُليمان والمسيب بن نجبة وكثير ممّن معهما ، وحُمل رأسيهما إلى مروان بن الحكم إلى الشام ، وكان عمر سُليمان يوم قُتل ثلاثاً وتسعين سنة.
(٣) هو حبيب بن مظهر الأسدي. كان صحابياً ، رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ذكره الكلبي. قال أرباب التاريخ : إنّ حبيباً نزل الكوفة ، وصحب علياً في حروبه كلّها ، وكان من خاصّته وحملة علومه ، علّمه علي (عليه السّلام) علم المنايا والبلايا. وكان من جملة الذين كاتبوا الحسين (عليه السّلام) ووفى له ، وعند ورود مسلم بن عقيل الكوفة صار حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين ، حتّى إذا دخل ابن زياد الكوفة وتخاذل أهل الكوفة عن سفير الحسين (عليه السّلام) ، اختفيا إلى أن ورد الحسين (عليه السّلام)