حديثه عن ابن الحنفيّة صحيفته. وفي الثعلبية أغار الضحّاك على الحاج ونهب أمتعتهم ، وذلك إنّ معاوية بن أبي سفيان دعا الضحّاك بن قيس الفهري وقال له : سرّ حتّى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمَنْ وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه ، وإن وجدت مسلحة أو خيلاً فأغر عليها ، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ، ولا تقيمن لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها ، فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف. فأقبل الضحّاك فنهب الأموال ، وقتل مَنْ لقي من الأعراب حتّى مرّ بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس الذهلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقتله في طريق الحاج عند القطقطانية (١) ، ومعه اُناس من أصحابه (٢) ، وقد نزل الثعلبية سعيد بن عمر وأقام بها ثلاثة أشهر ، وذلك قبل وقعة القادسية حتّى تلاحق به الناس. فكانت
__________________
كانت أعرف بي إذ سمّتني سعيداً. فقال له : شقيت وشقيت اُمّك ، ما تقول في أبي بكر وعمر أفي الجنّة هما أم في النار؟ قال : لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت مَنْ فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت مَنْ فيها. قال : فما قولك في الخلفاء؟ فقال سعيد : لست عليهم بوكيل. قال : أيهم أحبّ إليكم؟ قال : أرضاهم لخالقي. قال : فأيّهم أرضى للخالق؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم. قال : أبيت أن تصدقني؟ قال : بلا ، لا اُحبّ أن أكذبك. ثمّ قال له الحجّاج : اختر أي قتلة شئت أن أقتلك؟ قال : اختر لنفسك فإنّ القصاص أمامك. ولمّا أُحضر له النطع وأرادوا قتله استقبل القبلة قائلاً : (وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ). فقال الحجّاج : وجّهوا وجهه على غير القبلة. فقال : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ). قال : كبّوه على وجهه. فقال : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى). ثمّ ذُبح على النطع (رحمه الله). قيل : لم يبقَ بعده الحجّاج إلاّ خمس عشرة ليلة ، ولم يقتل بعده أحداً ؛ لدعائه ، حيث قال : اللّهمّ لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي. وكان قتله سنة ٩٥ هـ وهو ابن تسع وأربعين سنة.
(١) القطقطانة : تقع قرب قصر مائل ، وتُسمّى اليوم الحياضية ، فيها مخفر شرطة عراقية.
(٢) انظر الطبري ٦ / ٧٨.