وعلى ثلاثة أميال من زبالة في موضع الزرع نبات شيح وغيره يُقال له : (العثيران) ورقه أكبر من ورق (السنخ) عيدانه بيض ، وعلى أربعة أميال من زبالة علم للخيزران البطن الذي فيه النبات ، ومنه يعدل يسرة إلى التنانير حتّى يبلغ إلى أميال يسيرة على الطريق ، وبناء خرب يُقال له : ذات التنانير ، وهو على اثني عشر ميلاً من زبالة بالأميال الصغار ، وهو قاع كثير السدر. وذكر ابن جبير قال : زبالة : هي قرية معمورة وفيها قصر مشيد من قصور الأعراب ومصنعان للماء وآبار ، وهي من مناهل الطريق الشهيرة ، ونزلنا عندما ارتفع النهار من اليوم المذكور. ولزبالة ذكر كثير في أشعار الشعراء. قال بعض الأعراب :
ألا هل إلى نجدٍ وماء بقاعِها |
|
سبيلٌ وأرواحٌ بها عطراتِ |
وهل لي إلى تلكَ المنازلِ عودةٌ |
|
على مثلِ تلكَ الحالِ قبلَ مماتي |
فأشربُ من ماءِ الزلالِ وأرتوي |
|
وأرعى مع الغزلان في الفلواتِ |
وألصقُ أحشائي برملِ (زُبالةٍ) |
|
وآنسُ بالظلماتِ والظبياتِ |
ويُنسب إلى زبالة جماعة منهم حسّان الزبالي حدّث عن زيد بن الحباب (١). قال أرباب السير : وعندما حطّ الحسين (عليه السّلام) رحله في زبالة أتاه نعي رسوله إلى أهل الكوفة (عبد الله بن يقطر) ، فعندها خطب الناس ، وقال : «بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد ، فإنّه أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام». قال أهل السير : فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ، ونفر يسير ممّن انضموا إليه. وإنّما فعل ذلك ؛ لأنّه (عليه السّلام) علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه بظنّهم أنّه يأتي إلى بلد قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون عليه. ولمّا كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماءً وأكثروا ، ثمّ رحل بظعنه من زبالة متوجّهاً إلى القاع.
__________________
(١) انظر ابن الأثير ـ اللباب في تهذيب الأنساب ـ ١ / ٤٩٣.