تحمل في أحشائها من صور مدخرة ، ومشاعر كامنة ، لفّت نفسها لفاً حول ذلك المعنى العقلي » (١).
وهو ما تنبّه إليه الزمخشري في تعليله ذلك من ذي قبل.
٣ ـ وفي قوله تعالى : ( وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) (٢).
تنهض كلمة «كل » وهي صارخة مشرأبة ، لتوحي عادة بمعنى العالة في أبرز مظاهرها ، وقد استعملها القرآن لإضاءة المعنى بما فيها من غلظة وشدة وثقل ، لهذا الصدى الصوتي الخاص المتولد من احتكاك الكاف وإطباق اللام على اللهاة ، وما ينجم عن ذلك من رنة في الذاكرة ، وشدة على السمع ، فصوت الكاف في العربية ، وهو من حروف الإطباق ، شديد انفجار مهموس ، وصوت اللام في العربية ، وهو من حروف الأسنان واللثة ، مجهور متوسط بين الشدة والرخاوة (٣).
وقد اجتمع المهموس والمجهور معاً في هذا اللفظ ، فإذا علمنا أن المهموس هو الصوت الذي يظل النفس عند النطق به جارياً لا يعوقه شيء ، وأن المجهور هو الصوت الذي يمتنع النفس عن الجريان به عند النطق أدركنا سر اجتماع الكاف المهموسة واللام المجهورة في هذا اللفظ ، وما في ذلك من عسر في اللفظ دال على المعنى وغلظته.
يقول أستاذنا المخزومي : « فإذا اجتمع صوت مجهور ، وآخر مهموس ؛ فقد اجتمع صوتان مختلفان لكل منهما طبيعة خاصة ، والجمع بين هذين الصوتين يقتضي عضو النطق أن يعطي كل صوت منهما حقه ، وفي ذلك عسر لا يخفى ، فإذا تألفت كلمة وقد تجاور فيها صوتان ، أحدهما مجهور ، والآخر مهموس ، فما يزال أحدهما يؤثر في الآخر حتى يصيرا مجهورين معاً ، أو مهموسين معاً » (٤).
__________________
(١) تشارلتن ، فنون الأدب : ٧٦.
(٢) النحل : ٧٦.
(٣) ظ : ابن جني ، سر صناعة الأعراب : ١|٦٩.
(٤) مهدي المخزومي ، في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : ٨.