٢ ـ في قوله تعالى : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) (١). تبرز كلمة « أوهن » لتعطي معنى الضعف ، وقد تحقق هذا المعنى كلمة ( أوها ) ولكن القرآن الكريم استعمل أوهن دون أوها ، وذلك لما يفرزه ضم حروف الحلق ، وأقصا الحلق إلى النون من التصاق وغنة لا تتأتى بضم الألف المقصورة إليها صوتياً ، وحينئذ تصل الكلمة إلى الأسماع ، وتصك الآذان ، وهي تحمل لوناً باهتاً للعجز مؤكداً بضم هذه النون ـ من ملحظ صوتي فقط ـ إلى تلك الحروف لتحدث واقعًا خاصاً يشعر بالضعف المتناهي لا بمجرد الضعف وحده. وكان هذا بتأثير مباشر من دلالة اللفظ الصوتية ، إذ أحدثت فيها النون وهي من الصوامت الأنفية صدى وإيقاعاً لا تحدثه الألف المقصورة وهي صوت حلقي خالص ، لا غنة معه ، ولا ضغط ، ولا إطباق.
وهذا التشبيه باختيار هذا اللفظ صوتياً ، يجمع إليه إيحائياً دلالة أن الأصنام والأشخاص والقيم اللاإنسانية .. واهنة متداعية عاجزة حتى عن حماية كيانها ، وصيانة وجودها ، لأنها في تكوين رخو واهن ، وبناء تتداعى أركانه ، ومثل هذا التكوين وذلك البناء لا اعتماد عليهما ، ولا اعتداد بهما ، إنما القوة بالله ، والحماية من الله ، والالتجاء إلى الله فهو وحده الركن القويم.
قال الزمخشري ( ت : ٥٣٨ هـ ) : « وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لوكانوا يعلمون » (٢).
واذا كان القرآن الحكيم قد امتاز بتخير الألفاظ وانتقائها ، فإنه يرصد بذلك ما لهذه الألفاظ دون تلك :
« من قوة تعبيرية ، بحيث يؤدي بها فضلاً عن معانيها العقلية ، كل ما
__________________
(١) العنكبوت :٤١.
(٢) الزمخشري ، الكشاف : ٣|٢٠٦.