الثناء باللسان على الفعل الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل كان في مقابلة نعمة أم لا ومرادنا باللسان الكلام ليشمل القديم والحادث فهو مجاز مرسل من إطلاق السبب ـ وهو اللسان ـ وإرادة المسبب ـ وهو الكلام ـ ودخل في التعريف لأنه مجاز مشهور وقولنا : «الاختياري» مخرج للاضطراري فإنه مدح لا حمد وقولنا : «على جهة» أي وجه وإضافته لما بعده بيانية وعطف التبجيل على ما قبله مرادف ، وهذا مخرج للسخرية نحو : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩) [الدّخان : ٤٩] فشمل هذا التعريف أقسام الحمد الأربعة : حمد قديم لقديم وهو حمد الله نفسه بنفسه أزلا نحو : «الحمد لله الذي خلق السموات والأرض» ، وحمد قديم لحادث كحمد الله لبعض عباده ، نحو : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ٣٠]. وحمد حادث لقديم كحمدنا لله سبحانه وتعالى وحمد حادث لحادث كحمد بعضنا بعضا.
وأما أركانه فخمسة : حامد ـ وهو فاعل الحمد ـ ومحمود ـ وهو من وقع عليه الحمد ـ ومحمود به ـ وهو مدلول صيغة الحمد ـ ومحمود عليه ـ وهو السبب الباعث على الحمد ـ وهذا الركن منتف في حقه تعالى لأن حمده تفضل منه وصيغة ـ وهو اللفظ الدال على الحمد ـ وعرفا فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره.
ثم اعلم أن «أل» إما للاستغراق ـ وهي التي يصح أن يحل محلها كل ـ والمعنى كل فرد من أفراد الحمد لله ، وحمد الحادث للحادث وحمد القديم للحادث ثابتان لله في الواقع لأنه المنعم الحقيقي ، وإن كانا بحسب الظاهر لغيره ، وإما للعهد والمعنى أن الحمد المعهود لله ، والمراد به حمده لنفسه ولأصفيائه ، وإما للجنس ـ وهي الدالة على الحقيقة من غير تعرض لشيء من أفرادها ـ أي جنس الحمد وحقيقته لله. قوله : (لله) متعلق بمحذوف خبر أي الحمد ثابت لله والله أعلم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد. قوله : (الذي) اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للفظ الجلالة وهو مع صلته في معنى المشتق وقد تقرر أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بكون المشتق منه علة فكأنه قال : الحمد لله لجعله لغة الخ فيكون في كلامه إشارة إلى أنه يستحق الحمد لأفعاله كما يستحقه لذاته والحمد عليها مقيد وهو عند إمامنا أفضل من المطلق لأنه حمد على نعم مضت فهو أداء دين ولا يخفى أن الواجب أفضل من التطوع فإن قلت الحكم ليس متعلقا بالمشتق ـ وهو جاعل الذي