وقد أبدع المؤلّف في رسم منهج فريد ، يعتمد عنصر « الحاجة » التي يحسها كلّ انسانٍ في وجوده ، فهو ليس بمستغنٍ عمّن سواه ، وهذا احساس فطريّ ، وبديهيٌّ ، غير قابل للانكار ، وقد ذكر الله تعالى بهذا الإحساس في قوله : ( يا أيُّها النّاسُ ، أنْتُمُ الفُقَراءُ إلى اللهِ ، واللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيْدُ ) سورة فاطر ( ٣٥ ) الآية ( ١٥ ) وقوله تعالى : ( واللهُ الغَنِيُّ ، وَأنْتُمُ الفُقَراءُ ) سورة محمّد ( ٤٧ ) الآية ( ٣٨ ).
ثمّ إنْ كانت « الحاجةُ » محسوسةً ، فطرياً ، فإنّ رفضها ونفيها أمر مطلوب للانسان ، لأنّها نقصٌ ملموس ، ولذلك كان « الكمالُ » الذي يضادّه أمراً مطلوباً ، بالطبع الأولي ، والفطرة السليمة ، بل هو من المقاصد العالية والشريفة للإنسان على الأرض.
وهذا الإحساس هو الذي تؤكّد عليه الشرائع بأنبيائها وكتبها ، وإرشاداتها ، ومدارسها ، وما تملك من سُبُل ، وطُرُقٍ ، وأدوات ، وعوامل.
ولا بدّ للانسان أن يتجاوز حدّ « الحاجة » وما فيها من نقص ، ويصل إلى الكمال ، فيكون « غنيّاً بالله عمّن سواه » كيْ يليق بمقام « الخلافة عن الله » في الأرض ، وإلا : فالفقر سواد الوجه في الدارين ، كما ورد في الأثر الشريف (١٦).
وعلى أساس من ذلك المنهج القويم ، والراسخ ، والمتين ، ألّف الشيخ الإمام المؤلّف كتابه القيّم « عجالة المعرفة » هذا الذي نقدّم له.
وقد اتّخذ له أسلوباً رائعاً ، في جانبي العبارة ، والترتيب :
__________________
(١٦) حديث نبوي ، لاحظ : سفينة البحار ، للقمي ٢ / ٣٧٨.