ولمّا ثبتَ ـ قطعاً ـ أنّ هذه الدّار ليست بدارِ الخلودِ ؛ ثبت أنّ دارّ الخلودِ غيرُ هذهِ ، وَهِيَ دارُ الآخرةِ.
فَعُلِمَ أنَّ هناكَ بقاءاً لا فناءَ معهُ ، وعلْماً لا جَهْلَ مَعَهُ ، ولَذَّةً لا نفرةَ معها ، وعزّاً لا ذُلَّ معهُ.
ولمّا لم تصَِلْ إلى تفاصيل ما قلناهُ عقولُ البشرِ ؛ شرحهُ الشرعُ بالجنّةِ ، والحورِ ، والقصورِ ، والأنهارِ ، والأشجار والأثمار.
وكلّ مَن فوَّتَ (١) [ على ] نَفْسه هذه الدرجاتِ ؛ بقي في دركاتِ الهلاكِ ، وهي مقابلاتُ ما قلناهُ ، من الفناءِ ، و الجهلِ ، والنفرةِ ، والذُلّ.
وشَرَحَ جميعَ ذلك السمعُ بالجَحيم ، والحميم ، والعقابِ ، والعذابِ الأليم ، والعقاربِ ، والحيّاتِ ، والنيرانِ ، واللّظى ، أعاذَنا الله ـ تعالى ـ منْها.
ولمّا كان الخلقُ في بابِ التكليفِ على دَرَجتيْنِ : مطيعٍ ، وعاصٍ ؛ كان العدلُ أنْ يبنِيَ دارَيْنِ : جَنّةٍ ونارٍ.
والمطيعُ : إمّا أنْ يكونَ في الغاية القُصوى ، وَهُوَ الذي يطيعُ ولا يَعْصي ، كَالملائكةِ ، والأنبياءِ ، والأئمةِ ـ على الصحيح من المذهبِ ـ.
وإمّا أنْ يطيعَ ويَعْصيَ ، كسائِرِ المسلمينَ ، من المجرمينَ.
وإمّا أنْ يَعْصيَ ولا يُطِيْعَ ، كالشياطينِ ، والكفرةِ.
و[ لمّا ] كانتِ الطاعةُ ضربينِ : علميّ ، وعمليّ ؛ كانَ العوضُ في
__________________
(١) كذا في النسخة ، واستعمال باب التفعيل من « فات » غير فصيح ، ولعل الاصل ( فرّط ) فلاحظ.