وروينا عن قطرب (١) ، عن أبي عبيدة أنهم يقولون : أل فعلت؟ ومعناه : هل فعلت؟ فأما ما أنشده الأصمعيّ من قول الراجز (٢) :
أباب بحر ضاحك هزوق (٣)
فليست الهمزة فيه بدلا من عين عباب (٤) ، وإن كان بمعناه ، وإنما هو فعال من أب : إذا تهيّأ ، قال الأعشى (٥) :
أخ قد طوى كشحا وأبّ ليذهبا (٦)
وذلك أن البحر يتهيّأ لما يزخر (٧) به. فلهذا كانت الهمزة أصلا غير بدل من العين ، وإن قلت إنها بدل منها فهو وجه ، وليس بالقوي.
* * *
__________________
(١) قطرب : أحد تلاميذ الخليل ، امتاز بالنشاط فلقبه بقطرب.
(٢) لم نعثر على قائل البيت فيما بأيدينا من كتب اللغة.
(٣) هزوق : هزق في الضحك هزقا ، وأهزق فلان في الضحك أكثر منه. اللسان (٦ / ٤٦٦٣). والشاهد فيه كلمة «أباب» فالهمزة فيها أصل كما ذكر المؤلف.
(٤) العباب : كثيرة الماء والسيل ، وارتفاع الموج واصطخابه. مادة (عبّ). اللسان (٤ / ٢٧٧٤).
(٥) الأعشى : سبق التعريف به.
(٦) طوى كشحا : يقال طوى كشحه إذا أضمر الشر لإنسان. مادة (كشح). اللسان (٥ / ٣٨٨١) أبّ : عزم على المسير ، وتهيأ له ، يقال : أببت أؤب أبا ، من باب نصر. والشاهد في قوله : «أبّ» فالهمزة فيه أصلية كما يرى المؤلف. هذا رأي ابن جني في أن الهمزة أصل ، مع أن إبدال الهمزة من العين كثير ، مثل : السأف من السعف ، ومثل ما رواه الفراء لبعض بني نبهان من طيئ : دأني في دعني ، وثؤاله في ثعاله ، ومثل ما روى من قول أهل مكة : يا أبد الله في يا عبد الله ، ويقول البغدادي في شرح شواهد شرح الشافية (ص ٤٣٥) : ولو استحضر ابن جني عدة الكلمات لم يقل ما قال ، ولا ذهب ابن الحاجب إلى ما ذهب ، ولعل الذي حدا بابن جني إلى ما قاله ، هو أنه وجد أصلا آخر للأبواب يمكن التخريج عليه ، كما ذكر هو.
(٧) يزخر : يمتلأ. مادة (زخر). اللسان (٣ / ١٨٢٠).