فإن قال قائل : ولم اختيرت الهمزة ليقع الابتداء بها ، دون غيرها من سائر الحروف ، نحو الجيم والطاء وغيرهما.
فالجواب أنهم إنما أرادوا حرفا يتبلّغ به في الابتداء ، ويحذف في الوصل ، للاستغناء عنه بما قبله ، فلما اعتزموا على حرف يمكن حذفه واطّراحه (١) مع الغنى عنه ، جعلوه الهمزة ، لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف ، وهي مع ذلك أصل ، فكيف بها إذا كانت زائدة ، ألا تراهم حذفوها أصلا في نحو : خذ وكل ومر وويلمّه (٢) وناس (٣) والله (٤) في أحد قولي سيبويه.
وقالوا : ذن لا أفعلن ، فحذفوا همزة إذن.
وقال الآخر (٥) :
وكان حاملكم منا وافدكم |
|
وحامل المين بعد المين والألف (٦) |
أراد المئين ، فحذف الهمزة ، وأراد الألف ، فحرك اللام ضرورة ، وقالوا : جا يجي ، وسايسو ، بلا همز ، وله نظائر ولو ، أنهم زادوا في مكانها غيرها ، لما أمكن حذفه ، لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي ، فكانت الهمزة بالزيادة في الابتداء أحرى من سائر الحروف.
__________________
(١) اطراحه : يقصد حذفه. اللسان (٤ / ٢٦٥١). مادة (طرح).
(٢) ويلمه : أصلها : ويل أمه ، فأسقطت الهمزة ، وجعلت الكلمتان كأنها كلمة واحدة ، وسيرد ذلك في المتن بعد ذلك.
(٣) ناس أصلها : أناس.
(٤) أصل «الله» عنده : الإله.
(٥) لم نعثر على قائل البيت.
(٦) وقد بين المؤلف المراد بالمين والألف ، فالمين أريد بها المئين ، بحذف الهمزة ، وأراد بالألف ، بوزن سبب ، الألف ، فحرك اللام ضرورة ، ولكن صاحب اللسان قال : أراد الآلاف ، فحذف للضرورة. وبين القولين فرق ، فإنه في نظر المؤلف مفرد ، والضرورة دعت إلى تحريك اللام ، وفي كلام صاحب اللسان هو جمع ، والضرورة دعت إلى حذف الألفين ، الألف التي بعد الهمزة ، والألف التي بعد اللام.