وأما زيادتها في خبر المبتدأ فقوله تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس : ٢٧] ، ذهب أبو الحسن (١) إلى أن الباء زائدة ، وتقديره عنده : جزاء سيئة مثلها. وإنما استدلّ على هذا بقوله تبارك اسمه في موضع آخر : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) وهذا مذهب حسن ، واستدلال صحيح ، إلا أن الآية قد تحتمل ، مع صحة هذا القول ، تأويلين آخرين :
أحدهما : أن تكون الباء مع ما بعدها هو الخبر ، فكأنه قال : جزاء سيئة كائن بمثلها ، كما تقول : إنما أنا بك ، أي إني كائن موجود بك ، إذا صغّرت نفسك له ، وكقولك : توكّلي عليك ، وإصغائي (٢) إليك ، وتوجّهي نحوك ، فتخبر عن المبتدأ بالظرف الذي فعل ذلك المصدر يتناوله ، نحو قولك : توكلت عليك ، وأصغيت إليك ، وتوجهت نحوك.
ويدلّ على أن هذه الظروف في هذا ونحوه أخبار عن المصادر قبلها ، تقدّمها عليها ، ولو كانت المصادر قبلها واصلة إليها ، ومتناولة لها ، لكانت من صلاتها ، ومعلوم استحالة تقدم الصلاة أو شيء منها على الموصول ، وتقدّمها نحو قولك : عليك اعتمادي ، وإليك توجهي ، وبك استعاذتي. قال الله تعالى : (وَإِلَيْهِ مَآبِ) ، (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.) وقال الكميت (٣) :
فيا ربّ هل إلا بك النصر يبتغى |
|
عليهم وهل إلا عليك المعوّل؟ (٤) |
__________________
(١) أبو الحسن : هو سعيد بن مسعد ، المجاشعي الملقب بالأخفش الأوسط.
(٢) إصغائي : إنصاتي واستماعي في اهتمام وحضور ذهن. مادة (صغى).
(٣) الكميت : هو الشاعر الخطيب أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي الكوفي ، ولد سنة ٦٠ ه ، ونشأ بالكوفة ، وقد نحى بشعره منحى سياسيا ، من كبار شعراء الشيعة وتوفي سنة ١٢٦ ه.
(٤) يبتغي : يطلب. المعول : من عوّل عليه إذا ارتكن إليه واعتمد عليه. الشرح : يا رب نصرنا على الأعداء لا يرتجى إلا منك ولا يعول إلا عليك. الشاهد في قوله «عليك المعول» فهذا دليل على أن عليك ليست صلة ل (المعول) ولو كانت كذلك لما تقدمت عليها. إعراب الشاهد : عليك : جار ومجرور خبر مقدم. المعول : مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.