وسألت أبا عليّ عن قول كثيّر (١) :
وإني وتهيامي بعزّة بعد ما |
|
تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت (٢) |
فقلت له : ما موضع تهيامي من الإعراب؟ فأفتى بأنه مرفوع بالابتداء ، وخبره : بعزة. على نحو ما قدمنا آنفا ، وجعل الجملة التي هي تهيامي بعزة ـ اعتراضا بين اسم إن وخبرها ، لأن فيها ضربا من التشديد للكلام ، كما تقول : إنك ـ فاعلم ـ رجل سوء ، وإنه ـ والحقّ أقول ـ جميل المذهب.
وهذا الفصل والاعتراض الجاري مجرى التوكيد كثير في الكلام. وإذا جاز الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو ما أنشدناه أبو عليّ ، من قوله :
وقد أدركتني والحوادث جمّة |
|
أسنة قوم لاضعاف ولا عزل (٣) |
كان الاعتراض بين اسم إن وخبرها أسوغ. وقد يحتمل بيت كثيّر أيضا تأويلا آخر غير ما ذهب إليه أبو عليّ ، وهو أن يكون تهيامي في موضع جرّ ، على أنه قسم به ، كقولك : إني ـ وحبّك ـ لضنين (٤) بك ، وعرضت على أبي علي هذا الجواب فقبله ، وأجاز ما أجاز ، فالباء على هذا في «بعزّة» متعلقة بنفس المصدر ، الذي هو التّهيام ، وهي فيما ذهب إليه أبو علي متعلقة بمحذوف هو الخبر عن تهيامي في الحقيقة
__________________
(١) كثير : هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي وكنيته أبو صخر عشق جارية تدعى عزة وإليها نسب فقيل «كثير عزة».
(٢) التهيام : كثرة الهيام وهو ذهاب العقل من شدة الحب. عزة : اسم محبوبته. الشرح : يقول : إني على ما كان من التهيام بعزة تخليت عما بي وتخلت هي أيضا. الشاهد في قوله «وتهيامي بعزة». وقد أورد المؤلف وجهين من وجوه الإعراب له في المتن.
(٣) جمة : كثيرة. أسنة : رماح. الشرح : لقد اعترضتني مع كثرة صروف الدهر حرب أقوام شداد أقوياء. الشاهد فيه الفصل بين الفعل والفاعل بالجملة الاعتراضية (الحوادث جمة). إعراب الشاهد : قد : حرف تحقيق وتأكيد. أدركتني : فعل ماضي مبني ، والتاء حرف تأنيث والنون للوقاية ، والياء : ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والحوادث جمة : مبتدأ وخبر جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. أسنة : فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
(٤) ضنين : بخيل. مادة (ضنّ). القاموس المحيط (٤ / ٢٣٩).