أحدهما : أنه أراد : «فما» ، أي إن لم أروّ هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا فما؟ أي فما أصنع؟ منكرا على نفسه ألا يروّيها ، فحذف الفعل الناصب لما التي للاستفهام.
والوجه الآخر : أن يكون أراد : إن لم أروّها (١) فمه ، أي فاكفف (٢) عني ، فلست بشيء ينتفع به ، وكأن التفسير الأول أقوى في نفسي ، فصار التقدير على هذا : «من بعدما ، وبعدما ، وبعدمه» ثم إنه أبدل الهاء تاء ، لتوافق بقية القوافي التي تليها ولا تختلف ، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة في بعدمه ، بهاء التأنيث في طلحة وحمزة. ولما كان يراهم قد يقولون في بعض المواضع في الوقف : هذا طلحت ، وهذا حمزت ، قال هو أيضا «وبعدمت» ، فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيها لفظيا ، كما قال الآخر (٣) :
يحدو ثماني مولعا بلقاحها |
|
حتى هممن بزيغة الإرتاج (٤) |
فلم يصرف ثماني لشبهها بجواري : لفظا لا معنى.
__________________
(١) أروّها : أسقها. مادة «روى».
(٢) اكفف عني : امتنع عن لومي ومعاتبتي. مادة «كفف».
(٣) البيت لابن ميادة كما ورد في اللسان (١ / ٥٠٨) ، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (٢ / ١٧)
(٤) يحدو : يسوق. مادة (حدا). اللسان (٢ / ٨٠٧). مولعا : محبا أشد الحب من ولع بالشيء ولعا إذا تعلق به بشدة. اللسان (٦ / ٤٩١٦). اللقاح : من لقحت الناقة إذا نزى عليها الفحل فأحبلها. مادة (لقح). اللسان (٥ / ٤٠٥٧). الزيغة : إزلاق وإنزال. مادة (ز ي غ). اللسان (٣ / ١٩٠٠). الإرتاج : قيل : ارتجت الناقة إذا امتلأ بطنها. مادة (ر. ت. ج). اللسان (٣ / ١٥٧٦). الشرح : يصف الشاعر إبلا أولع راعيها بلقاحها حتى لقحت ، ثم حداها أشد الحداء ، ثم همت بإزلاق ما أرتجت عليه أرحامها من الأجنة والزيغ بها ، وهو إزلاقها وإسقاطها. الشاهد فيه : ترك صرف «ثماني» تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل ، كأنه توهم واحدتها : ثمنية كحذرية ، ثم جمع فقال : ثمان ، كما يقال : حذار في جمع حذرية ، والمعروف في كلام العرب صرفها ، على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب ، نحو يمان ورباع ، فإذا أنث قيل : ثمانية ، كما قيل : يمانية ، وفرس رباعية. إعراب الشاهد : ثماني : مفعول به منصوب بالمفعولية.