وقال قوم آخرون : إنما هو العاطفون ، مثل القائمون والقاعدون ، ثم إنه زاد التاء في «تحين» ، كما زادها الآخر في قوله (١) :
نوّلى قبل نأى دار جمانا |
|
وصليه كما زعمت تلانا (٢) |
أراد الآن. وهذا الوجه أشد انكشافا من الأول.
وقال أبو زيد : سمعت من يقول : «حسبك تلان (٣)» يريد الآن ، فيزيد التاء ، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر (٤) :
إذا اغتزلت من بقام الفرير |
|
فيا حسن شملتها شملتا (٥) |
فقال فيه : إنه شبه هاء التأنيث في شملة بالتاء الأصلية في نحو : بيت وصوت ، فألحقها في الوقف عليها ألفا ، كما تقول : رأيت بيتا ، فشملتا على هذا منصوبة على التمييز ، كما تقول : يا حسن وجهك وجها ، أي من وجه.
__________________
(١) البيت لعمرو بن أحمر الباهلي ، ورواه ابن الأنباري في الإنصاف (١ / ١١٠) المسألة الرابعة عشر
(٢) نولي : من النوال ، وأصله العطاء ، والمراد هنا ما يزود المحب. اللسان (٦ / ٤٥٩٤). جمانا : منادى مرخم جمانة وهو اسم امرأة. اللسان (١ / ٦٨٩). مادة (ج م ن). والنأي : البعد والفراق. مادة (نأى). اللسان (٦ / ٤٣١٤). وصليه : من الوصل وهو اللقاء. مادة (وصل). اللسان (٦ / ٤٨٥٠). الشرح : يطلب الشاعر من محبوبته أن تصله قبل الفراق. الشاهد في قوله : «تلانا» فقد أراد الآن.
(٣) ومنه ما وقع في حديث لابن عمر حين ذكر لرجل مناقب عثمان. قال صاحب اللسان في «أين» : سأل رجل ابن عمر عن عثمان ، قال : أنشدك الله ، هل تعلم أنه فرّ يوم أحد ، وغاب عن بدر ، وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر : أما فراره يوم أحد فإن الله عز وجل يقول : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) ، وأما غيبته عن بدر ، فإنه كانت عنده بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكانت مريضة ، وذكر عذره في ذلك ، ثم قال : «اذهب بهذه تلآن معك».
(٤) لم نعثر على قائل البيت ، وقد رواه ثعلب في مجالسه (٢ / ٤٤٢).
(٥) البقام : جمع بقامة وهي الصوف يغزل لبها ، ويبقى سائرها. مادة (ب ق م) اللسان (١ / ٣٢٩) الفرير : الحمل إذا فطم وأخصب وسمن. مادة (فرر) اللسان (٥ / ٣٣٧٦) وأصلها (الفرار). والشملة : كساء دون القطيفة يشتمل به ، والجمع شمال. اللسان (٤ / ٢٣٣١). الشاهد في «شملتا» على الوجه الذي بينه المؤلف.