فجمع بين اللغتين ، وذهب الأصمعي إلى أنّ آن مقلوب عن أني ، وأنّ أني هو الأصل ، واستدل على ذلك بوجوده مصدر أني في الكلام ، لقوله تعالى : (إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(١) أي بلوغه وإدراكه ، ولم يجد لآن مصدرا ، فلما وجد لأني أصلا وهو المصدر ، وجده بذلك أعمّ تصرّفا ، ولم يجد لآن مصدرا ، فقلّ بذلك تصرّفه ، قضى لأني بأنه أصل لآن ، وأما أبو زيد فقال : هما أصلان ، وأثبت لآن مصدرا ، وقال : يقال : آن الشيء أينا ، فكل واحد منهما اتّبع ما سمع ، وقضى لنفسه بما صحّ عنده.
وتبع ابن السّكّيت أبا زيد فقال : آن أينا. وأخبرنا أبو عليّ عن أحمد بن يحيى (٢) عن ابن الأعرابي قال : يقال : إني وإنى ، وحسي وحسى ، ومعي ومعى.
قال : وحكى أبو الحسن : إنو في إني. قال أبو عليّ : وهذا كقولهم جبيت الخراج جباوة ، أبدلت الواو من الياء ، ومثله الحيوان في قول الخليل (٣) ، لأن أصله عنده الحييان ، وكأنهم إنما استجازوا قلب الياء واوا لغير علة ، وإن كانت الواو أثقل من الياء ، ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول الياء وغلبتها عليها ، وليختلف الحرفان فيخفّا.
وإذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء ، جاز قلبها صادا ، وذلك قوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ) ويصاقون ، «و مَسَّ سَقَرَ» وصقر ، «وَسَخَّرَ» وصخّر ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) وأصبغ ، «وسراط» وصراط.
وقالوا في سقت صقت ، وفي سويق صويق.
* * *
__________________
(١) إناه : أي بلوغه وإدراكه. مادة (أن ي) اللسان (١ / ١٦١). الآية استشهد بها الأصمعي إلى أن الفعل «أنى» هو الأصل لـ «آن» لأن «أنى» ورد مصدرها أمّا «آن» فلم يرد لها مصدر.
(٢) أحمد بن يحيى : ثعلب رأس المدرسة الكوفية في النحو.
(٣) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي رأس المدرسة البصرية.