فهذه كلها لغات ، وليس بعضها بدلا من بعض ، وقولهم : أديه وزنه : فعله ، ردّ اللام ، وهي ياء لقولهم يديت إليه يدا. فصارت أدى كما ترى بوزن فعل.
وكذلك قرأت هذه اللفظة على أبي علي في كتاب القلب والإبدال ، عن يعقوب ، ورأيت هذا الكتاب بخطّ أبي العباس محمد بن يزيد ، فالتمست فيه هذه اللفظة في باب الهمزة والياء ، فلم أر لها هناك أثرا.
وقرأت هذا الفصل من كتاب إصلاح المنطق عن يعقوب على غير أبي علي ، فقال : إنما هو : قطع الله أديه. مثنّى ، في معنى يديه ، وكذلك رأيتها في عدة نسخ.
وكيف تصرف الأمر فقد ثبت أنهم قد نطقوا بالفاء من هذه اللفظة همزة ، مثناة كانت أو مفردة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فقد يجوز أن يكون قولهم آديته على كذا أفعلته ، من الأدي في قول أبي علي ، أو الأدين في قول غيره ، أي كنت له يدا عليه ، وظهيرا معه ، فيكون كقول النبي عليه السلام : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم (١) أدناهم ، وهم يد (٢) على من سواهم» أي كلمتهم واحدة ، فبعضهم يقوّي بعضا.
إلا أنني أنا أرى في هذه اللفظة خلاف ما رآه أبو علي ، لأنه ذهب إلى أن الهمزة في أديه ليست بدلا من الياء ، وإنما هي أصل برأسه ، ولو كان الأمر على ما ذهب إليه ، لتصرّف الهمزة في هذه اللفظة تصرّف الياء ، وليس الأمر كذلك ، لأنا نجدهم يقولون : يديت إليه يدا ، وأيديت أيضا ، ويديت الصيد : إذا أصبت يده ، وكسّروها فقالوا : يديّ وأيد وأياد.
وقال الشاعر :
__________________
محل الشاهد : أن «أسر» بالهمز ، لغة في «يسر» بالياء ، وبها روى الليث في بعض النسخ إعراب الشاهد : أسر : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
(١) الذمة : العهد والأمان والكفالة ، والحق والحرمة. وعند الفقهاء : معنى يصير به الإنسان أهلا لوجوب الحق له أو عليه. والجمع ذمم. و (أهل الذمة) المعاهدون من أهل الكتاب أو من جرى مجراهم. مادة (ذ م م).
(٢) «هم يد» هي موضع الشاهد في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. إعرابها : هم : ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. يد : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.