ويجوز أن تكون سمّيت حروفا لأنها جهات للكلم ونواح ، كحروف الشيء وجهاته المحدقة به (١).
ومن هذا قيل : فلان يقرأ بحرف أبي عمرو وغيره من القرّاء ، وذلك لأن الحرف حدّ ما بين القراءتين وجهته وناحيته.
ويجوز أيضا أن يكون قولهم : حرف فلان ، يراد به حروفه التي يقرأ بها ، أي القارئ يؤدّيها بأعيانها ، من غير زيادة ولا نقص فيها ، فيكون الحرف في هذا وهو واحد ، واقعا موقع الحروف وهي جماعة ، كقوله عزّ اسمه : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧](٢) أي والملائكة ، وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢](٣) أي والملائكة ، وكقولنا : «أهلك النّاس الدّينار والدّرهم» أي الدنانير والدّراهم ، وكقولنا : «الأسد أشدّ من الذّئب» ، أي الأسد أشدّ من الذّئاب ، وهذا واسع في كلامهم ، ونحوه أيضا : «الملك أفضل من الإنسان» ، أي الملائكة أفضل من النّاس.
ومن هذا سمّى أهل العربية أدوات المعاني حروفا ، نحو من ، وفي ، وقد ، وهل ، وبل ، وذلك لأنها تأتي في أوائل الكلام وأواخره في غالب الأمر ، فصارت كالحروف والحدود له.
__________________
(١) المحدقة به : المحيطة به. لسان العرب (٢ / ٨٠٥). مادة (ح. د. ق).
(٢) (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) : أرجائها مفرد (الرّجا) ويقصد بها الناحية والجانب. ويقول الطبري في تفسيرها : أي والملك على أطراف السماء وحافاتها حين تشقق. انظر / تفسير الطبري [ص ٥٠٢]. والشاهد فيها استخدام الملك مفرد ويقصد بها الملائكة. إعراب الشاهد : والملك : معطوف مرفوع بالتبعية وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره لأنه اسم مفرد.
(٣) (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) : أي جاء ربك والملائكة صفا بعد صف. انظر / تفسير الطبري (ص ٥٢٩). والشاهد أيضا استخدام الملك مفرد ويقصد بها الملائكة. إعراب الشاهد : الملك : معطوف مرفوع بالتبعية وعلامة رفعه الضمة لأنه اسم مفرد.