وكذلك من قال : إخوتك قاموا ، فالواو في قاموا علم الضمير والجمع ، وإذا قيل قاموا إخوتك ، فالواو علم الجمع مجرّدة من معنى الاسمية البتة ، وكذلك القول في نون الجمع ، نحو قولك الهندات قمن وقمن الهندات ، فكما جاز لجميع هذه الأشياء أن تكون في بعض المواضع دالة على معنى الاسمية والحرفية ، ثم تخلع عنها دلالة الاسمية في بعض المواضع ، فكذلك لا ينكر أن تكون الهاء والياء في نحو ضربه وضربني يدلان على معنى الاسمية والحرفية. فإذا قلت «إياه ، وإياي» تجرّدتا من معنى الاسمية ، وخلصتا لدلالة الحرفية.
فاعرف هذا ، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل ، وبه كان أبو علي رحمه الله ينتصر لمذهب أبي الحسن ويذبّ (١) عنه ، ولا غاية في جودة الحجاج بعده.
ونحو من الكاف في ذلك وهنالك وإياك ، الكاف في قولك للرجل : هاك ، وللمرأة هاك ، فالكاف هنا حرف لمعنى الخطاب. ويدلك على ذلك أن معنى هاك زيدا ، أي خذ زيدا ، فزيد هو منصوب هذا الفعل ، ولا يتعدى إلى مفعولين ، وقد كنا قدّمنا أن زيدا في نحو هذا لا يجوز أن يكون بدلا من الكاف لو كانت اسما ، وهو أن ضمير المخاطب لا يبدل منه ، فيقال : ضربتك زيدا ، على أن زيدا بدل من الكاف.
ويدلّك على أن الكاف في هاك وهاك حرف لا اسم ، إيقاعهم موقعها ما لا يكون اسما على وجه ، وذلك قولك : هاء وهاء ، وعلى هذا قوله عز وجل : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩](٢) وعلى هذا قالوا للاثنين : هاؤما ، وللنساء هاؤنّ ، كما يقال : هاك ، وهاك ، وهاكما ، وهاكم ، وهاكنّ ،
وفيها لغة ثالثة ، وهي أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال ، وتلحقها كافا مفتوحة للمذكر ، ومكسورة للمؤنث ، فتقول : هاءك ، وهاءكما ، هاءكم ، وهاءك ، وهاءكما ، وهاءكنّ.
__________________
(١) يذب : ينحي ويطرد ويدفع ويمنع. مادة (ذ ب ب) اللسان (٣ / ١٤٨٣).
(٢) هاؤم : خذوا ، والأسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه الفخر. الشاهد في قوله عز وجل (هاؤُمُ) وهي دليل على أن الكاف في : هاك ، وهاك ، حرف لا اسم ، ولذا يقول الرجل : هاء ، هاء ، هاؤما ، هاؤم ، هاؤن.