وأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قولك في الإمالة : مررت بمذعور ، وهذا ابن بور. نحوت بضمة العين والباء نحو كسرة الراء ، فأشممتها شيئا من الكسرة ، وكما أن هذه الحركة قبل هذه الواو ليست ضمة محضة ، ولا كسرة مرسلة ، فكذلك الواو أيضا بعدها ، هي مشوبة بروائح الياء ، وهذا مذهب سيبويه ، وهو الصواب ، لأن هذه الحروف تتبع الحركات قبلها ، فكما أن الحركة مشوبة غير مخلصة ، فالحرف اللاحق بها أيضا في حكمها. وأما أبو الحسن فكان يقول : مررت بمذعور وهذا ابن بور ، فيشمّ الضمة قبل الواو رائحة الكسرة ، ويخلّص الواو واوا محضة البتة ، وهذا تكلف فيه شدّة في النطق ، وهو مع ذلك ضعيف في القياس. فهذا ونحوه مما لا بد في أدائه وتصحيحه للسمع ، من مشافهة توضحه ، وتكشف عن خاصّ سرّه.
فإن قيل : فلم جاز في الفتحة أن ينحى بها نحو الكسرة والضمة ، وفي الكسرة أن ينحى بها نحو الضمة ، وفي الضمة أن ينحى بها نحو الكسرة ، على ما قدّمت ومثّلت ، ولم يجز في واحدة من الكسرة ولا الضمة أن ينحى بها نحو الفتحة؟
فالجواب في ذلك أن الفتحة أول الحركات ، وأدخلها في الحلق ، والكسرة بعدها ، والضمة بعد الكسرة ، فإذا بدأت بالفتحة ، وتصعّدت تطلب صدر الفم والشفتين ، اجتازت في مرورها بمخرج الياء والواو ، فجاز أن تشمها شيئا من الكسرة أو الضمة لتطرقها (١) إياهما ، ولو تكلفت أن تشمّ الكسرة أو الضمة رائحة من الفتحة لاحتجت إلى الرجوع إلى أول الحلق ، فكان في ذلك انتقاض (٢) عادة الصوت ، بتراجعه إلى ورائه ، وتركه التقدم إلى صدر الفم ، والنفوذ بين الشفتين ، فلما كان في إشمام الكسرة أو الضمة رائحة الفتحة ، هذا الانقلاب والنقض ، ترك ذلك ، فلم يتكلّف البتة.
فإن قيل : فقد نراهم نحوا (٣) بالضمة نحو الكسرة في : مذعور ومنقور ونحوهما ، والضمة كما تعلم فوق الكسرة ، فكما جاز لهم التراجع في هذا ، فهلا جاز أيضا في الكسرة والضمة أن ينحى بهما نحو الفتحة؟
__________________
(١) تطرقها : أي تبتغي إليها. مادة (طرق). اللسان (٤ / ٢٦٦٥).
(٢) انتقاض : إفساد ما أبرمت. اللسان (٦ / ٤٥٢٤). مادة (نقض).
(٣) نحوا : اتجهوا. اللسان (٦ / ٤٣٧١). مادة (نحو).