وأما ما ذهب إليه سيبويه ، من أن ألاءة وأشاءة مما لامه همزة ، فالقول فيه عندي ، أنه إنما عدل بهما عن أن تكونا من الياء ، كعباءة وصلاءة وعظاءة ، لأنه وجدهم يقولون : عباءة وعباية ، وصلاءة وصلاية ، وعظاءة وعظاية ، فحمل الهمزة فيهن على أنها بدل من الياء ، التي ظهرت فيهن لاما ، ولمّا لم يسمعهم يقولون أشاية ، ولا ألاية ، ورفضوا فيهما الياء البتة ، دلّه ذلك على أن الهمزة فيهما لام أصلية ، غير منقلبة عن ياء ولا واو ، ولو كانت الهمزة فيهما بدلا لكانوا خلقاء (١) أن يظهروا ما هي بدل منه ، ليستدلوا به عليها ، كما فعلوا ذلك في عباءة وأختيها ، وليس في ألاءة وأشاءة من الاشتقاق من الياء ما في أباءة ، من كونها من معنى أبيت. فلهذا جاز لأبي بكر (٢) أن يزعم أن همزتها من الياء ، وإن لم ينطقوا فيها بالياء.
وإنما لم تجتمع الفاء والعين ، ولا العين واللام همزتين ، لثقل الهمزة الواحدة.
لأنها حرف سفل في الحلق ، وبعد عن الحروف (٣) ، وحصل طرفا ، فكان النطق به تكلفا ، فإذا كرهت الهمزة الواحدة ، فهم باستكراه الثّنتين ورفضهما ـ لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين ، فاء وعينا ، أو عينا ولاما ـ أحرى (٤) ، فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان البتة.
فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم دريئة (٥) ودرائئ وخطيئة وخطائئ فشاذّ لا يقاس عليه ، لا سيما وليست الهمزتان أصلين ، بل الأولى منهما زائدة. وكذلك قراءة أهل الكوفة : «أئمّة» شاذة عندنا ، والهمزة الأولى (٦) أيضا زائدة.
__________________
يقول : من الذي سرته الحرب بصوتها وجرسها الذي يشبه صوت الحريق في الأباء. والشاهد في قوله : «الأباء». إعرابه : الأباء : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
(١) خلقاء : جديرين ، والمفرد خليق ، مادة (خلق). اللسان (٢ / ١٢٤٧).
(٢) هو أبو بكر محمد بن السري.
(٣) يريد أن مخرج الهمزة أبعد مخارج الحروف.
(٤) أحرى : خبر المبتدأ السابق ، وهو قوله : فهم باستكراه ... إلخ.
(٥) الدريئة : ما يستتر به الصائد ليختل الصيد ، والجمع درايا. مادة (درأ).
(٦) اجتماع الهمزتين في أول الكلمة مختلف فيه ، فأجازه الكوفيون وبعض البصريين كأبي إسحاق الزجاج ، ومنعه ابن جني كما يتضح من كلامه هنا ، ولهذا قال : إن قراءة أهل الكوفة أئمة «أي بتحقيق الهمزتين» شاذة عندنا.