وإنما شرطنا (١) أنهما لا يلتقيان أصلين. فهذا حكم الهمزة الأصلية.
وأما البدلّ : فقد أبدلت الهمزة من خمسة أحرف ، وهي الألف ، والياء ، والواو ، والهاء ، والعين.
فأما إبدالها من الألف فنحو ما حكي عن أيوب السّختياني (٢) أنه قرأ : (وَلَا الضَّالِّينَ) فهمز الألف ، وذلك أنه كره اجتماع الساكنين : الألف واللام الأولى ، فحرّك الألف لالتقائهما ، فانقلبت همزة ، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج ، لا يتحمّل الحركة كما قدّمنا من وصفه ، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف منه ، وهو الهمزة. وعلى ذلك ما حكاه أبو زيد فيما قرأته على أبي عليّ في كتاب الهمز عنه ، من قولهم : شأبّة ومادّة (٣) ، وأنشدت الكافّة (٤) :
يا عجبا لقد رأيت عجبا |
|
حمار قبّان يسوق أرنبا |
خاطمها زأمّها أن تذهبا (٥) |
يريد : زامّها.
__________________
(١) قول المؤلف : «وإنما شرطنا أنهما لا تلتقيان أصلين» بعد قوله : «لا سيما وليست الهمزتان» يدل على أنه يبرر نطق العرب بالهمزتين متحققتين إذا تجاورتا في مثل درائئ وخطائئ وأئمة بكون إحداهما زائدة ، وإن كان ذلك عنده شاذّا لا يقاس عليه.
(٢) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني ، بفتح السين وكسرها ، البصري ، الحافظ من أعلام المحدثين والزهاد ، كان من الموالي ، ولد سنة ست وستين ، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة.
(٣) مأدة : يقال امرأة مأدة : أصلها مادة بوزن فاعلة ، وتطلق على المرأة الناعمة. مادة (مأد) اللسان (٦ / ٤١١٩).
(٤) لم أعرف قائلها ، وقد ذكر البغدادي هذه الأبيات في شرح شواهد الشافية وذكرها اللسان في مادة (زم) وزاد عليها بيتا وهو : «فقلت أردفني فقال مرحبا». لسان العرب (٣ / ١٨٦٥).
(٥) حمار قبان : دويبة صغيرة ، لازقة بالأرض ، ذات قوائم كثيرة تشبة الخنفساء ، وهي أصغر منها إذا لمسها أحد اجتمعت كالشيء المطوي. مادة (حمر). اللسان (٢ / ٩٩٣). خاطمها : اسم فاعل من خطمه إذا جعل له خطاما. مادة (خ ط م) اللسان (٢ / ١٢٠٣). وزأمها : أصله زامها ، أي جعل لها زماما. مادة (زمم). والشاهد في البيت قوله «زأمها» فقد اضطر الراجز إلى تحريك الألف فانقلبت همزة ، والأصل «زامها».