وإذا رغبنا في معرفة سبب سيرورة هذا الكتاب وخلوده وجدناه في أسلوبه المحكم الذي يتماز بالشمول والدقة والوضوح.
يتمثل الشمول ببحث جميع المسائل التي تتعلق بقواعد اللغة العربية ، لم يغادر منها شيئا ذا بال. تلك المسائل طرقها الذين سبقوه وقتلوها تنقيبا ونظرا ، وأماطوا اللثام عن غوامضها ، واسرفوا في الجدال حولها ، وكونوا مذاهب ومدارس تميزت عن بعضها البعض باختلاف الرؤية إلى مسائل النحو ، وتباين مناهج الإستقراء والإستنباط والتقعيد ، أهمها مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة ومدرسة بغداد. ونبغ أعلام كبار أرسوا أسس علم النحو ورفعوا بنيانه أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي (١) (١٠٠ ـ ١٧٠) وسيبويه (٢) (.. ـ ١٨٠ ه) والكسائي (٣) (.. ـ ١٨٩ ه) والاخفش (.. ـ ٢١٥ ه) (٤) وسواهم. وقد اطلع الزمخشري على تصانيفهم وآرائهم ، وأشار إلى ذلك في كتابه هذا. فهو يذهب مثلا إلى أن المنع من الصرف يحتاج إلى توافر اثنين من تسعة ، وتكرر واحد منها هي : العلمية ، والتأنيث اللازم لفظا أو معنى ، ووزن الفعل ، والوصفية ، والعدل من صيغة إلى أخرى ، والجمع على مفاعل ومفاعيل ، والتركيب ، والعجمة ، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث في نحو
__________________
(١) ولد ومات بالبصرة (١٠٠ ـ ١٧٠ ه) وعاش فقيرا صابرا. وهو استاذ سيبويه وواضع علم العروض وعلم المعجم. له كتاب العروض وكتاب العين.
(٢) سيبويه هو عمر بن عثمان الحارثي بالولاء. تتلمذ على الخليل في البصرة وناظر الكسائي في بغداد فأجازه الرشيد. ووضع «الكتاب» في النحو.
(٣) هو علي بن حمزة الأسدي بالولاء ، امام في اللغة والنحو والقراءة. نشأ في الكوفة ، وسكن بغداد ، وتوفي بالري. أدب الرشيد وولده الأمين. ألف «معاني القرآن».
(٤) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء ، نحوي وعالم باللغة ، من أهل بلخ ، سكن البصرة وأخذ العربية عن سيبويه. اهم كتبه تفسير معاني القرآن ، والاشتقاق ، والقوافي. واكتشف بحر الخبب.