فإنهما الوسيلة إلى السعادة الأبدية ، والذّريعة إلى تحصيل المصالح الدينيّة والدنيويّة ، وأصل ذلك علم الإعراب ، الهادي إلى صوب الصواب.
______________________________________________________
قلت : ولا يمنع أن يكون اسم مكان مفعلا بمعنى المقصد من عناه ، أي : قصده ولا شك أن ما يراد باللفظ محل للقصد ؛ لأنه قصد بذلك اللفظ ، ويجوز أن يضبط المنزل بتشديد الزاي مع الفتح من التنزيل ، وبتخفيفها من الإنزال والثاني أولى ؛ لأن التناسب بين المنزل والمرسل باعتبار التوافق في الزنة.
والمرسل صفة لنبيه وإنما نبهت على ذلك مع ظهوره ، لأني رأيت في بعض الحواشي بهذه البلاد تجويز جعله صفة للحديث ولا وجه له.
(فإنهما الوسيلة إلى السعادة الأبدية والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية) الفاء للسببية وضمير الاثنين راجع إلى كتاب الله تعالى وحديث نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وأفرد المصنف الوسيلة والذريعة إشارة إلى أنهما في معنى الشيء الواحد باعتبار الدلالة على الطريق المعتبر ، ولا شك أن كلا منهما اشتمل على الأمر بكل محمود والنهي عن كل مذموم والإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد ، فالعمل بهما موصل إلى سعادة الدارين ، والظفر في الدنيا والآخرة بخيري الدارين.
والذريعة : بالذال المعجمة ، كالوسيلة وزنا ومعنى.
(وأصل ذلك علم الإعراب الهادي إلى صوب الصواب) المراد بالأصل ههنا ما يبني عليه غيره ، والإشارة راجعة إلى ما سبق ، فالأمر الذي ينبني عليه ما يتيسر به فهم القرآن ، ويتضح به معنى الحديث هو علم الإعراب ، أي : علم النحو ، وليس المراد الإعراب الذي هو قسيم البناء.
والهادي : المرشد ، وإسناد الهداية إلى علم الإعراب مجاز ، وكأن المراد بالصوب الاستقامة من قولك : صاب السهم إذا قصد ، ولم يحد عن الغرض ، والصوب أيضا : المطر أو نزوله ، ويمكن أن يراد هنا على سبيل الاستعارة ، فإما أن يكون الصواب مشبها بالسحاب من قبيل الاستعارة بالكناية (١) ، وإثبات الصوب له مرادا به المطر استعارة تخييلية ، وإما أن يكون
__________________
(١) قال الإمام الشمني في حاشيته : وفي تفسيرها مذاهب : أحدها : ما يفهم من كلام السلف ، وصححه بعض متأخري الخلف ، أن لا يصرح بذكر المستعار ، بل بذكر ريفه ولازمه الدال عليه ، فالمقصود بقولنا : أظفار المنية ، استعارة السبع للمنية ، كاستعارة الأسد للرجل الشجاع في قولنا رأيت أسدا ، لكنا لم نصرح بذكر المستعار ، أعني السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه ، أعني الأظفار لينقل منه إلى المقصود ، كما هو شأن الكناية ، فالمستعار هو لفظ السبع الذي لم يصرح به ـ ـ