وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكّة ، زادها الله شرفا ، كتابا في ذلك ، منوّرا من أرجاء قواعده كلّ حالك ؛
______________________________________________________
مشبها بالمطر ، وأثبت له الصوب المراد به نزول المطر على حسب ما مرّ ، ووجه الشبه حصول النفع المبهج للنفوس ، وفي صوب الصواب ما يشبه جناس الاشتقاق (وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله تعالى شرفا كتابا في ذلك منورا من أرجاء قواعده كل حالك) عام تسعة بالمثناة الفوقية في أوله ، وهذا عام الوباء الكبير الواقع في الديار المصرية ، وغالب أقطار الدنيا على ما قيل ، وكثيرا ما يقع هذا التركيب وهو مشكل ، وذلك أن المراد بقولك : وقع كذا في عام أربعين مثلا الإخبار بوقوع ذلك في العام الأخير من الأربعين ، وهو الواقع بعد تسعة وثلاثين ، وتقرير الإضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر ؛ إذ ليست فيه الإضافة بمعنى اللام ، ضرورة أن المضاف إليه ليس جنسا للمضاف ، ولا ظرفا له ، فيكون معنى نسبة العام إلى الأربعين كونه جزءا منها ، كما في يد زيد ، وهذا لا يؤدي المعنى المقصود ؛ إذ يصدق بعام ما منها سواء كان الأخير أو غيره ، وهو خلاف الفرض ، ويمكن أن يقال : قرينة الحال معينة ؛ لأن المراد الأخير ، وذلك ؛ لأن فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرخة بتعيين زمانها ، ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من كون العام المؤرخ به واحدا من أربعين بحيث يصدق على أي عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلا معنى يحصل به كمال التمييز للمقصود ، لكنّ قرينة إرادة الضبط بتعيين الوقت تقتضي أن يكون هذا العام هو مكمل عدة الأربعين ، أو يقال : حذف مضاف لهذه القرينة ، والتقدير في عام آخر أربعين ، والإضافة بيانية ، أي : في عام هو الأخير من أربعين ، فتأمله فالإشارة من قوله : (كتابا في ذلك). ترجع إلى علم الإعراب وينبغي أن يقرأ (ذلك). و (حالك) بسكون الكاف محافظة على السجع ، إذ لو فتحت
__________________
والمستعار منه هو الحيوان المفترس ، والمستعار له هو المنية ، وبهذا يشعر كلام صاحب الكشاف في قوله تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ*). ثانيها : ما صرح به صاحب المفتاح ، وهو أن يذكر المشبه ويراد المشبه به ادعاء لا حقيقة بواسطة قرينة ، وهي أن ينسب إليه شيء من لوازم المشبه به كالمنية المراد بها السبع ادعاء بجعل لفظها مرادفا لاسم السبع ، وإضافة شيء من لوازم السبع إليها وهو الأظفار. ثالثها : ما ذهب إليه صاحب التلخيص ، وهو أن يضمر التشبيه في النفس ، فلا يصرح بشيء من أركانه سوى ، المشبه ، ويدل على ذلك التشبيه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به من غير أن يكون هناك أمر متحقق حسا أو عقلا يجري عليه اسم ذلك الأمر ، فالتشبيه المضمر في النفس استعارة بالكناية ، وإثبات ذلك الأمر للمشبه إستعارة تخييلية. اه ص ٥.