ثم إنني أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر. ولمّا منّ الله تعالى عليّ عام ستّة وخمسين بمعاودة حرم الله ، والمجاورة في خير بلاد الله ، شمّرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا ، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا ،
______________________________________________________
الأولى وكسرت الثانية لفات ، والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز ، نعم الفاضل الطبع يأتي بالفواصل على وجه يتحصل به السجع من غير تفاوت بين الوصل والوقف ، كما تقدم في كلام المصنف ، فينبغي أن يعد ذلك من باب لزوم ما لا يلزم ، وإن كانوا لم يذكروه ، وأكثر السجع الواقع في «مقامات الحريري» من هذا النمط.
والأرجاء بالمد على زنة أفعال جمع الرجا بالجيم مقصورا ، والمراد بها النواحي ، وهو من ذوات الواو يقال لناحيتي البئر رجوان.
والقواعد : جمع قاعدة وهي حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ، ليتعرف أحكامها منه. والحالك : هو الشديد السواد يقال : حلك الشيء يحلك حلوكة اشتد سواده ، ويقال : أسود حالك ، وحانك باللام والنون بمعنى واحد لكن المصنف [أتى] باللام لمحافظته على محسن بديعي وهو لزوم ما لا يلزم. ومنورا : اسم فاعل من التنوير أتى به على جهة الاستعارة التبعية والمراد أن كتابه مزيل عن قواعد هذا الفن كل أمر مشكل لما فيه من التحقيق. شبه ما في كتابه من التحقيق بالنور في الاهتداء به إلى المقصود وشبه المشكلات بالظلمة التي اشتد سوادها من حيث إن صاحبها لا يهتدي إلى الطريق فلا يأمن ضلاله عن المقصود (ثم إني أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر) معنى أصبت به تلف مني وذهب ، والمنصرف : يحتمل أن يكون مصدرا فيتعلق به إلى مصر ، ويحتمل أن يكون اسم زمان فلا يتعلق به ، وإنما يتعلق بمحذوف والمعنى ذاهبا إلى مصر أو عائدا إلى مصر (ولما منّ الله تعالى عليّ في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله ، والمجاورة بخير بلاد الله) فيه حذف عاطف ومعطوف للعلم بالمقصود ، أي في عام ستة وخمسين وسبعمائة ، والمعاودة كالعود بمعنى الرجوع ، والباء الداخلة عليه للإلصاق متعلقة بمنّ ، والثانية ظرفية تتعلق بالمجاورة ، وهي اللبث بالمكان ، ويطلق على الاعتكاف بالمسجد ، ومراده بخير بلاد الله مكة شرفها الله تعالى ، وهو مبني على أحد القولين في المسألة وتوفي المصنف رحمهالله تعالى بعد هذا بستة أعوام أو نحوها.
(شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا) شمرت جواب لما إن كانت حرفا ، وعاملها إن كانت ظرفا ، وتشمير الإزار رفعه ، أي : رفعت الساتر عن ساعد الاجتهاد فالمفعول محذوف إن لم ينزل الفعل المذكور منزلة اللازم ، وإلا فمتروك أي : فعلت التشمير ، وفيه استعارة مكنية من حيث تشبيه الاجتهاد بإنسان شديد الاهتمام بالعمل النافع ،