مع أن الذي أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادّخرته عنها كشذرة من عقد نحر ، بل كقطرة من قطرات بحر ، وها أنا بائح بما أسررته ، مفيد لما قرّرته وحرّرته ،
______________________________________________________
وعاملها ، وأن وصلتها في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره الظرف السابق ، أي : ومما حثني على وضع هذا التصنيف حسن موقع مقدمتي عند العقلاء حين أنشأتها.
(مع أن الذي أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر ، بل كقطرة من قطرات بحر) مع تتعلق إما بحسن ، أو بسار على طريق التنازع ، وأودع يتعدى بنفسه إلى مفعولين تقول : أودعت زيدا مالا ؛ لكن المصنف ضمنه معنى وضع فعداه إلى الثاني بفي ، وبالنسبة ظرف مستقر في محل نصب على الحال من ضمير النصب في أودعته ، أي : أودعته فيها ملتبسا بالنسبة ، وادخرت افتعلت من الذخر بالمعجمة فقلبت تاء الافتعال دالا ، وأدغمت الفاء التي هي ذال معجمة فيها بعد إبدالها مهملة ، كما في ادكر على الوجه القوي.
والشذرة بشين وذال معجمتين : قال الجوهري : الشذر من الذهب ما يلتقط من المعدن من غير إذابة الحجارة ، والقطعة منه شذرة.
وقال أيضا : والشذر صغار اللؤلؤ ، وكأن هذا الأخير هو مراد المصنف ، والعقد بكسر العين : القلادة ، والنحر موضعها من الصدر والقطرة الواحدة من الماء ، أو غيره من المائع من كل ما يتقاطر شيئا فشيئا ، والقطرات الجمع بفتح الطاء.
والبحر خلاف البر قال الجوهري : يقال سمي بذلك لعمقه واتساعه ، قلت : ولا يظهر للإتيان بقطرات هنا معنى ، بل المقام يقتضي عدم ذكرها ، وذلك ؛ لأن المراد التدريج في تقليل ما وضعه في المقدمة بالقياس إلى ما لم يضعه فيها ، ولا شك أن القطرة بالنظر إلى كونها من جملة البحر أقل منها بالنظر إلى قطرات من البحر ، وفي هاتين السجعتين الجناس المضارع.
(وها أنا بائح بما أسررته) بائح اسم فاعل من باح يبوح ، يقال باح بسره إذا أظهره ، والمراد بما أسره هو ما ادخره عن تلك المقدمة ، ووقع للمصنف نظير هذا التركيب في موضعين آخرين من الباب الخامس ، فقال : في الجهة الأولى وها أنا مورد بعون الله تعالى أمثلة ، وقال في الجهة الثانية : وها أنا مورد لك أمثلة من ذلك ، وفي هذه المواضع الثلاثة إدخال هاء التنبيه على ضمير الرفع المنفصل مع أن خبره ليس اسم إشارة ، والمصنف يأباه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في حرف الهاء من هذا الكتاب.
(مفيد لما قررته وحررته) التقرير تثبيت الشيء في مقره ، والتحرير التهذيب ، وأخذ الخلاصة وإظهارها بمنزلة جعل الشيء جزءا خالصا ، وفي قررته وحررته الجناس اللاحق ، وفي