واستدلّ لهم بقراءة الحسن (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] بنصب (يُدْرِكُ). وأجراها ابن مالك مجراهما بعد الطّلب ، فأجاز في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم الّذي لا يجري ثمّ يغتسل منه» ثلاثة أوجه : الرفع : بتقدير ثم هو يغتسل ، وبه جاءت الرواية ،
______________________________________________________
ومن يعتزل عن قومه لا يزل يرى |
|
مصارع مظلوم مجرا ومسحبا |
وتدفن منه الصالحات وإن يسىء |
|
يكن ما أساء النار في رأس كبكبا (١) |
كبكب اسم جبل منع من الصرف على إرادة البقعة ، تقول : إن الغريب لا يزال يظلم وتخفى محاسنه كإخفاء الميت في القبر ، وتظهر مساويه كإظهار النار على رأس الجبل العالي ، وهذا على رواية من نصب تدفن ، ومثال ذلك بعد الفاء : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤] على قراءة من نصب يغفر والمصنف قيد نصب المضارع المقرون بثم بكونه بعد فعل الشرط ، ومسألة الفاء والواو غير مقيدة بذلك ، فينبغي أن يحرر مذهب الكوفيين في المسألة ، والظاهر أن لا فرق بين وقوعه بعد فعل الشرط ووقوعه بعد الشرط والجزاء جميعا ، (واستدل لهم بقراءة الحسن ، (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] بنصب) الفعل من (يدركه) بإضمار أن ، والمصدر المسبوك منها ومن صلتها معطوف على مصدر متصيد من فعل الشرط ، والتقدير : من يقع خروجه مهاجرا ثم إدراك الموت له فقد وقع أجره على الله ، (وأجراها ابن مالك) أي أجرى ثم (مجراهما) أي : مجرى الفاء والواو (بعد الطلب) نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، ولا تدن من الأسد فيأكلك ، (فأجاز في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه» (٢) ثلاثة أوجه :
الرفع) على الاستئناف (بتقدير ثم هو يغتسل ، وبه جاءت الرواية) عند حملة الحديث ، وتقدير هو ليس لأجل كونه متعينا ولا بد ، وإنما هو لتحقيق كون الكلام مستأنفا كما جرت به عادة النحاة عند بيان الاستئناف ، وهذا مقتض لأن تكون ثم استئنافية لا عاطفة كما أن الواو تقع كذلك ، وإلا لزم عطف الخبر على الإنشاء ، وقد صرح صاحب «رصف المباني» فيما حكاه ابن قاسم عنه أن ثم تقع حرف ابتداء ، وقد فات المصنف عد هذا القسم.
__________________
(١) البيتان من البحر الطويل ، وهما للأعشى في ديوانه ص ١٦٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٧٧ ، ولسان العرب ١ / ٤٥٤ (زيب).
(٢) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب النهي عند البول في الماء الراكد (٢٨٢) ، والنسائي كتاب الطهارة ، باب الماء الدائم (٥٨) ، وأبو داود ، كتاب الطهارة ، باب البول في الماء الراكد (٦٩).