قوله [من البسيط] :
١٨٤ ـ ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه |
|
ولا أحاشي من الاقوام من أحد |
وتوهّم المبرّد أن هذا مضارع «حاشا» التي يستثنى بها ، وإنما تلك حرف أو فعل جامد لتضمّنه معنى الحرف.
الثاني : أن تكون تنزيهيّة ؛ نحو : (حاشَ لِلَّهِ) [يوسف : ٣١] وهي عند المبرّد وابن جني والكوفيّين فعل. قالوا : لتصرّفهم فيها بالحذف ، ولإدخالهم إيّاها على الحرف ، وهذان الدّليلان ينفيان الحرفية ، ولا يثبتان الفعليّة.
______________________________________________________
حاشي المحكوم بفعليته (قوله) أي النابغة :
(ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد (١) |
وتوهم المبرد أن هذه) الكلمة وهي أحاشي المذكورة في البيت (مضارع حاشا التي يستثنى بها) وليس كذلك ، (وإنما تلك حرف أو فعل جامد ؛ لتضمنه معنى الحرف) الاستثنائي.
(الثاني) من أوجه حاشا (أن تكون تنزيهية) أي : تذكر لتنزيه الله تعالى عن السوء (نحو : (حاشَ لِلَّهِ)) ثم بين بعد ذلك من يراد تبرئته ، فقدم تنزيه الله سبحانه أمام ذلك المقصود على معنى : إن الله تعالى منزه عن أن لا يطهر ذلك الشخص مما يعيبه ، فيكون آكد وأبلغ قال تعالى : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) [يوسف : ٥١] وهذه الآية هي التي أرادها المصنف بالتمثيل ، (وهي عند المبرد وابن جني والكوفيين فعل ، قالوا : لتصرفهم فيها بالحذف) فإن الأصل حاشا بالألف فحذفت في حاش لله ، (ولإدخالهم إياها على الحرف في حاش لله) وحاشا لله بحذف الألف [و] إثباتها (وهذان الدليلان ينفيان الحرفية ، ولا يثبتان الفعلية) ، وجزم المصنف رحمهالله بانتفاء الحرفية اعتمادا على الدليلين المذكورين لا يسلم من مناقشة.
أما الأول فلأن الحرف الكثير الاستعمال قد يتصرف فيه بالحذف منه ، نحو : سو أفعل وسف أفعل في سوف أفعل.
وأما الثاني فقد قال شارح «الكتاب» : لا نسلم دخول حاشا على حرف الجر ؛ فإن اللام في حاشا لله زائدة ، عوضت عما حذف من حاشا ، قلت : وفيه بعد ، لأنه لم يعهد التعويض عن محذوف من كلمة بشيء ، تدخل على كلمة أخرى ليست محل الحذف ، وقد يقال أيضا : ولو
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٠ ، وأسرار العربية ص ٢٠٨.